اخبار منوعة

المعارضة البرلمانية المغربية وملتمس الرقابة: حين تعجز الإرادة عن تجاوز الحسابات.

عمرو العرباوي /مدير النشر

في مشهد سياسي لا يخلو من المفارقات، فاجأت المعارضة البرلمانية المغربية الرأي العام بتراجعها المفاجئ عن تقديم ملتمس رقابة ضد الحكومة، رغم الحماسة التي عبّرت عنها سابقاً لتفعيل هذا السلاح الدستوري الثقيل، هذا التراجع يطرح أسئلة جوهرية حول طبيعة المعارضة في المغرب، ومدى استقلاليتها، وقدرتها على لعب أدوارها كاملة في الرقابة والمساءلة.

ملتمس الرقابة: أداة دستورية معطلة؟

يعد ملتمس الرقابة من أقوى الآليات التي يخولها الدستور المغربي للمعارضة داخل مجلس النواب، إذ يمكن أن يؤدي إلى إسقاط الحكومة في حال حظي بالأغلبية المطلقة من الأصوات، ورغم محدودية فرص نجاحه في السياق السياسي المغربي، فإن مجرد التقدم به يعتبر رسالة سياسية قوية تعكس جدية المعارضة في مواجهة الاختيارات الحكومية.

غير أن ما حدث مؤخراً يكشف عن خلل ما في البنية السياسية للمعارضة ذاتها، فبعد إعلان أكثر من فريق نيابي معارض عن نيته التقدم بالملتمس، سُحب الملف من التداول في اللحظة الأخيرة، دون تبرير مقنع أو تواصل واضح مع الرأي العام.

تفسيرات متعددة: الانقسام أم الحسابات؟

نري أن هذا التراجع قد يكون نتيجة اختراقات سياسية داخل المعارضة، حيث لم تعد المواقف موحدة، بل تخضع لحسابات ضيقة، سواء حزبية أو شخصية. ربما هناك وجود تفاهمات غير معلنة بين بعض مكونات المعارضة وأطراف في الأغلبية، خاصة في ظل الحديث عن تفاهمات مستقبلية أو تبادل مصالح تتجاوز الظاهر من الخطاب السياسي.

في السياق نفسه، لا يُستبعد أن تكون الضغوط أو الإغراءات السياسية قد مارست دوراً في تفكيك التماسك الظاهري للمعارضة، التي باتت، في نظر الكثيرين، غير قادرة على لعب دور “المعارضة البناءة” كما تنص عليه الوثائق المرجعية للعمل البرلماني.

تراجع المصداقية أمام الشارع

هذا التراجع عن تقديم الملتمس في غياب مبررات قوية، يُنظر إليه من طرف فئات واسعة من الرأي العام كضرب لمصداقية المعارضة، خصوصاً في ظرفية اقتصادية واجتماعية صعبة، كانت تتطلب وضوحاً سياسياً ومواقف حازمة في مواجهة اختلالات التدبير الحكومي.

ويطرح الوضع الحالي سؤالاً حاداً: هل المعارضة البرلمانية في المغرب تمارس فعلاً أدوارها الدستورية؟ أم أنها تكتفي بدور المعارضة الشكلية، التي تتقن الخطاب النقدي دون اتخاذ مواقف عملية جريئة؟

نحو مراجعة الذات

إذا أرادت المعارضة المغربية استعادة ثقة الشارع، فعليها أن تبادر إلى مراجعة عميقة لبنيتها التنظيمية وأسلوب اشتغالها داخل البرلمان، فالديمقراطية لا تُبنى فقط بالأغلبية، بل كذلك بمعارضة قوية، مسؤولة، وشفافة.

مخرحات هذا المقال ، الجدير بالذكر انه وبالقدر الذي تتحمل فيه الحكومة مسؤولياتها، فإن المعارضة أيضاً مطالبة بتحمل مسؤوليتها الكاملة في تمثيل صوت المجتمع، والدفاع عن مصالحه، لا أن تكون رهينة الحسابات الضيقة أو موطئ قدم في لعبة التوازنات السياسية المغلقة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى