اخبار منوعة

تجويد النصوص القانونية يقتضي الارادة والكفاءة السياسية المواطنة

عمرو العرباوي – مدير النشر

قبل الخوض في تفاصيل هذا الموضوع لابد من تحديد مفهوم تجويد النص القانوني ، بحيث يقصد به كونه عملية منهجية تهدف إلى تحسين وتحديث جودة النصوص القانونية لتصبح أكثر وضوحًا، ودقة، واتساقًا مع المبادئ الدستورية والعدالة الاجتماعية، فضلاً عن تلبية احتياجات المجتمع المعاصر، وبالتالي تعزيز الثقة بين الدولة والمواطنين ، إذ يكون القانون أكثر شفافية وإمكانية التطبيق العادل ، مما يحد من احتمالية إساءة تفسيره أو إستغلاله لإغراض شخصية أو حزبية .

إذا فهذا المبدأ يشير إلى تحسين جودة التشريعات والقوانين ، إذ لا يمكن أن يتحقق إلا إذا توفرت إرادة سياسية حقيقية لدى صناع القرار، بالإضافة إلى كفاءة سياسية قائمة على روح المواطنة الصادقة ، ولكي نفهم هذا المبدأ بشكل اكثر واقعية وعقلانية لابد من تقسيمه إلى عنصرين أساسيين:
  • أولا : الإرادة السياسية الركيزة الأساسية للإصلاح التشريعي:
لا يخفى على الجميع أن الإرادة السياسية هي العامل الحاسم في أي عملية إصلاح قانوني، فحتى لو كانت هناك مطلب مجتمعي ملح لتجويد القوانين، فإن غياب الإرادة لدى صناع القرار يؤدي إلى استمرار القوانين في شكلها غير الفعّال وتعتمد هذه الإرادة على:
-الوعي بضرورة الإصلاح، أي إدراك أن القوانين الحالية لم تعد قادرة على تلبية تطلعات المجتمع ومستجدات الواقع، وبالتالي قد تكون غير مناسبة أو تحتاج إلى تحيين لمواكبة التغيرات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
– الاستقلالية عن المصالح الضيقة: فالإصلاح القانوني لا يكون ناجحًا إذا كان خاضعًا لضغوط لوبيات أو مصالح فئوية.
-لالتزام بمبادئ العدالة والمساواة، أي أن يكون الهدف من التعديلات القانونية تحقيق مصلحة عامة وليس منح امتيازات خاصة.
مثال تطبيقي:
إذا أرادت الحكومة إصلاح قوانين الاستثمار لتشجيع ريادة الأعمال، فإن ذلك يتطلب إرادة سياسية لمواجهة العراقيل البيروقراطية وتجاوز المصالح الفئوية التي قد تستفيد من الوضع القائم.
  • ثانيا : الكفاءة السياسية المواطنة أساس التشريع الجيد:
فالكفاءة السياسية تعني امتلاك المعرفة القانونية والخبرة السياسية اللازمة لصياغة قوانين فعالة، أما المواطنة فهي البوصلة التي توجه هذه الكفاءة نحو الصالح العام، وهذان العنصران معًا ضروريان لصناعة تشريعات قوية وعادلة ومنصفة وللجميع .
أما مكونات الكفاءة السياسية المواطنة:
1- فتقضي الفهم العميق للقانون، أي الإلمام بمبادئ القانون الدستوري والقانوني العام حتى تكون النصوص الجديدة متناسقة مع المنظومة القانونية القائمة.
2-وكذلك القدرة على استشراف المستقبل، أي وضع قوانين مرنة تستجيب للتحولات المجتمعية والتطورات التكنولوجية.
3-إظافة إلى القدرة على الحوار والتشاور، إذ لا يمكن صناعة قوانين جيدة دون إشراك مختلف الفاعلين، مثل المجتمع المدني والخبراء.
4-وأخيرا الالتزام بالمصلحة العامة، أي أن تكون القرارات نابعة من حس وطني بعيدًا عن المصالح الحزبية أو الضغوط الفئوية.
مثال تطبيقي:
إذا تم إعداد قانون جديد لحماية البيئة، فإن الكفاءة السياسية المواطنة تقتضي استشارة الخبراء البيئيين، الاستفادة من التجارب الدولية، وضمان تطبيق القانون بآليات فعالة.
إذا فالعلاقة بين الإرادة والكفاءة في تجويد القوانين يمكن تلخيص في المعادلة التالية:
(إرادة سياسية حقيقية) + (كفاءة سياسية قائمة على المواطنة) = قوانين فعالة وعادلة ومستدامة ومنصفة ، بمعنى أن توفر أحد العنصرين دون الآخر لن يؤدي إلى تجويد النصوص القانونية، فإذا توفرت الإرادة السياسية بدون كفاءة، ستكون الإصلاحات سطحية أو غير مدروسة، وإذا وجدت الكفاءة السياسية بدون إرادة، ستظل القوانين غير مطابقة للواقع المعاش والمستجد والمتغير ومتطلبات المجتمع.
مخرجات هذا المقال ، ينبغي التنبيه على أن تحسين جودة القوانين ليس مجرد عملية تقنية، بل هو قرار سياسي يتطلب قيادة واعية بمسؤولياتها، قادرة على اتخاذ قرارات شجاعة ومدروسة، ولهذا، فإن تحقيق هذا الهدف يستدعي تكامل الإرادة السياسية مع الكفاءة السياسية المواطنة لضمان تشريعات أكثر عدلاً وفعالية واستدامة .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى