اخبار منوعة

رهانات الإصلاح في المغرب : إرادة الدولة تصطدم بهوس النخب السياسية بالانتخابات

عمرو العرباوي – مدير النشر

في الوقت الذي تؤكد فيه الدولة المغربية عزمها الصارم على محاربة الفساد وتجفيف منابعه، تطفو على السطح مفارقة سياسية تؤرق الشارع وتعرقل دينامية الإصلاح: نخب سياسية مشغولة بالسباق الانتخابي أكثر من انشغالها بمصلحة الوطن.

فبينما تقود الدولة، عبر خطابات ملكية ومبادرات مؤسساتية، أوراشاً كبرى لمحاربة الفساد وتعزيز الشفافية، يبدو أن جزءاً كبيراً من النخب الحزبية لا يزال أسير حسابات انتخابوية ضيقة، توظف العمل السياسي لخدمة المصالح الشخصية والولاءات الفئوية الضيقة .

أولا : إرادة سياسية تتحدى الفساد،

لقد قطعت الدولة أشواطاً مهمة في إرساء آليات الشفافية والحكامة الجيدة، وتجلت هذه الإرادة في إحداث مؤسسات رقابية، من قبيل الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة، ودعم استقلالية القضاء، وكذا في المحاكمات المتزايدة لمسؤولين متورطين في اختلالات مالية وتدبيرية.

كما شكلت الخطابات الملكية في السنوات الأخيرة خارطة طريق واضحة تدعو إلى ربط المسؤولية بالمحاسبة، واعتبار الفساد عدواً مباشراً للتنمية ومصداقية المؤسسات.

ثانيا : نخب سياسية بلا أفق إصلاحي،

لكن في المقابل، تفتقر كثير من النخب السياسية إلى الانخراط الجاد في هذه المعركة، ففي كل محطة انتخابية، تتكرر نفس الممارسات: استغلال هشاشة المواطنين، الخطابات الشعبوية، وتوظيف المال والولاءات لضمان الفوز بالمقاعد، دون أي التزام حقيقي بخدمة المصلحة العامة أو دعم مسار الإصلاح.

والمقلق أن بعض هذه النخب لا تكتفي بالتهرب من المساهمة في محاربة الفساد، بل تستفيد منه، وتوظفه لضرب الخصوم السياسيين أو لتحقيق امتيازات داخل دواليب السلطة.

ثالثا : مفارقة تعرقل الإصلاح،

يجد المواطن المغربي نفسه أمام واقع مربك: دولة تتحدث بلغة الإصلاح، ونخب تمارس السياسة بمنطق الريع الانتخابي، وهذا الانفصام يُفقد الثقة في المؤسسات، ويُفرغ العمل السياسي من محتواه النبيل، ويجعل الفساد أكثر مقاومة لأي تغيير.

فلا يمكن لمحاربة الفساد أن تنجح، ما دامت بعض الوجوه السياسية التي تتصدر المشهد كانت – ولا تزال – جزءاً من المشكلة.

رابعا : من أجل إصلاح حقيقي،

لعل المطلوب اليوم ليس فقط إرساء القوانين والمؤسسات، بل إعادة بناء النخب السياسية على أسس النزاهة والكفاءة والوطنية الصادقة، كما أن الأحزاب مدعوة إلى تجديد هياكلها، وتقديم نخب جديدة تحمل مشروعاً إصلاحياً واضحاً، بعيداً عن منطق الغنيمة الانتخابية.

إن محاربة الفساد لا تتوقف عند حدود الدولة، بل تحتاج إلى حلفاء داخل المجتمع السياسي والمدني، قادرين على جعل الإصلاح ثقافة مجتمعية لا مجرد مهرجان انتخابي موسمي.

مخرجات هذا المقال ، بين إرادة الدولة وهوس النخب، يظل الإصلاح معلقاً على شرط جوهري: مصالحة حقيقية بين السياسة والأخلاق، فالإصلاح لا يُقاس بالنوايا، بل بمدى انسجام الأقوال مع الأفعال، ومدى استعداد الفاعلين السياسيين للقطع مع الماضي والانخراط في مغرب جديد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى