اخبار منوعة
ضعف المشاركة السياسية ألا يعتبر أزمة ثقة بين المواطن والدولة ؟

عمرو العرباوي – مدير النشر
يُعدّ ضعف المشاركة السياسية ظاهرة متنامية في بلادنا كما في العديد من الدول، سواء النامية أو حتى المتقدمة، وهي ليست مجرد مسألة سلوك فردي عابر، بل في جوهرها تعبير عن أزمة أعمق، أي أزمة الثقة بين المواطن والدولة، فعندما يعزف المواطن عن التصويت، أو لا يهتم بالشأن العام، أو يشعر بأن صوته لا يُحدث فرقًا، فإن ذلك يُشير إلى خلل في العلاقة التي تربطه بمؤسسات الدولة وبالعملية السياسية عمومًا.
فتفسير هذه الأزمة يقتضي معالجتها من عدة مظاهر :
أولا : مظاهر ضعف المشاركة السياسية،
تتجلى هذه الظاهرة في عزوف فئات واسعة من المواطنين عن التصويت في الانتخابات، أو عن الترشح، أو حتى عن الاهتمام بالنقاشات السياسية، وغالبًا ما تكون هذه الفئات من الشباب، النساء، أو الفئات المهمشة اقتصاديًا واجتماعيًا، هذا الضعف يُفضي إلى نوع من اللامبالاة الجماعية، ويُهدد بتفريغ الديمقراطية من محتواها التشاركي.
ثانيا : ضعف المشاركة كمؤشر على أزمة ثقة،
أزمة الثقة تعني شعور المواطن بأن الدولة لا تمثله، ولا تُصغي لانشغالاته، ولا تستجيب لمطالبه، وهو شعور يتغذى على مجموعة من العوامل، أبرزها:
-غياب الشفافية والمساءلة لدى المسؤولين.
-الوعود السياسية غير المنجزة، مما يولّد الإحباط واليأس.
-الفساد المستشري داخل بعض المؤسسات، مما يضعف مصداقيتها.
-هيمنة نخبة سياسية أو اقتصادية ضيقة على القرار، تُقصي بقية المجتمع.
أمثلة سياسية معبّرة
في المغرب، رغم الجهود التي تُبذل لتشجيع المشاركة، فإن نسبة التصويت في الانتخابات التشريعية لعام 2021 لم تتجاوز 50%، مع تسجيل نسب متدنية في أوساط الشباب، هذا النسبة تعكس شعورًا عامًا بأن السياسة “لا تغيّر شيئًا”، في ظل استمرار مشاكل البطالة وارتفاع تكاليف المعيشة.
حتى في الدول الديمقراطية مثل فرنسا، شهدت احتجاجات “السترات الصفراء” تعبيرًا عن الإحساس بالإقصاء الاجتماعي والاقتصادي، رغم توفر آليات المشاركة السياسية، ما يدل على أن الثقة لا تُبنى فقط بوجود مؤسسات، بل بمدى فاعليتها وعدالتها.
ثالثا : سبل معالجة أزمة الثقة،
لبناء علاقة متينة بين المواطن والدولة، لا بد من:
-ترسيخ مبادئ الشفافية وربط المسؤولية بالمحاسبة.
-تعزيز العدالة الاجتماعية لتقليص الفوارق والإقصاء.
-فتح المجال أمام مشاركة فعلية للشباب والمجتمع المدني.
-إصلاح النظام الانتخابي ليكون أكثر تمثيلية وإنصافًا.
مخرحات هذا المقال ،لا يمكن فصل ضعف المشاركة السياسية عن أزمة الثقة بين المواطن والدولة، فهي ليست مجرد ظاهرة انتخابية، بل إنذار مجتمعي يستدعي إصلاحات حقيقية وعميقة تُعيد الاعتبار لدور المواطن في الحياة العامة، فبدون مواطن فاعل ومؤمن بجدوى مشاركته، تظل الديمقراطية ناقصة وهشّة وتتطلب مزيدا الانفتاح .