عندما تفقد الصحافة الهادفة دورها وتتحول إلى آلية للاسترزاق

رشيد اخراز
تعد الصحافة أحد الركائز الأساسية التي تقوم عليها المجتمعات الحديثة، حيث تلعب دورًا محوريًا في نقل المعلومات وتشكيل الرأي العام.
فمن خلال الصحافة، يتمكن الأفراد من التعرف على ما يجري حولهم، كما تمثل وسيلة لضمان الشفافية والمساءلة في شتى جوانب الحياة العامة. إلا أن المهنة الصحفية، كما هو الحال مع العديد من المجالات الأخرى، قد تتعرض للتحولات بسبب التغيرات الاقتصادية والاجتماعية والتكنولوجية، مما قد يؤدي إلى تحول الصحافة من أداة تثقيفية ومهنية إلى وسيلة للاسترزاق والكسب المادي على حساب الموضوعية والمصداقية.
1. التحولات الاقتصادية والتكنولوجية وتأثيرها على الصحافة
في السنوات الأخيرة، شهدت الصحافة تحولًا جذريًا في أسلوب عملها وتوجهاتها نتيجة للثورة التكنولوجية وانتشار وسائل الإعلام الرقمية. أدى هذا التحول إلى تنافس شديد بين وسائل الإعلام التقليدية (كالصحف والقنوات التلفزيونية) ووسائل الإعلام الجديدة التي تعتمد على الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي. نتيجة لذلك، أصبح الحصول على الأرباح من خلال الإعلانات والعائدات المالية أمرًا بالغ الصعوبة بالنسبة للعديد من المؤسسات الإعلامية التقليدية.
وبسبب تراجع العائدات المالية، اتجه العديد من الصحفيين والمؤسسات الإعلامية إلى أساليب غير مهنية للوصول إلى مصادر دخل بديلة. من بين هذه الأساليب، بدأ البعض في تكييف محتوى صحفي يعتمد على إثارة الجدل أو نشر معلومات مثيرة لجذب أكبر عدد من القراء أو المشاهدين بغض النظر عن مدى دقة تلك المعلومات.
2. استغلال المهنة لتحقيق مكاسب شخصية
تحويل الصحافة إلى آلية للاسترزاق لا يتوقف عند بعض المؤسسات الإعلامية فقط، بل يشمل أيضًا الأفراد الذين يمارسون المهنة. فبعض الصحفيين قد ينجذبون إلى البحث عن القصص الأكثر إثارة، بغض النظر عن مصداقيتها، من أجل جني الأموال من خلال زيادة التفاعل مع المحتوى الذي يقدمونه. في ظل بيئة إعلامية تتسم بالتنافس الشديد على جذب الجمهور، فتصبح الإثارة الأكثر جذبًا من الدقة والتحقق.
من ناحية أخرى، قد تلجأ بعض وسائل الإعلام إلى تضخيم القضايا أو تغطية الأخبار بشكل غير متوازن أو تحريفها، بهدف جذب القراء والمشاهدين. وبالتالي، يتراجع دور الصحافة كوسيلة لتوعية المجتمع، ويحل محله دافع مادي بحت.
3. التأثيرات السلبية لهذه التحولات
يترتب على تحويل الصحافة إلى آلية للاسترزاق العديد من التأثيرات السلبية على المجتمع. من أبرز هذه التأثيرات:
فقدان المصداقية: عندما يصبح الهدف الرئيس من الصحافة هو الربح المادي، تتراجع قيمة المصداقية والموضوعية في العمل الصحفي. يصبح الخبر أكثر جذبًا إذا كان يثير الجدل أو يلتقط انتباه الجمهور، ما يؤدي إلى نشر معلومات غير دقيقة أو مغلوطة.
تدهور الجودة الإعلامية: الصحافة المهنية تتطلب وقتًا وجهدًا لتحليل المعلومات والتحقق منها. ولكن في ظل الإغراءات المالية السريعة، يضحي العديد من الصحفيين بجودة العمل الصحفي لصالح نشر المحتوى بسرعة من أجل جني المال.
تأثيرات على الرأي العام: عندما تتسرب الأخبار المغلوطة أو المضللة إلى المجتمع، قد تتأثر القرارات والأفكار العامة بشكل سلبي. فالرأي العام يعتمد على الصحافة كمصدر رئيسي للمعلومات، وأي انحراف عن الموضوعية قد يؤدي إلى تضليل الجمهور وخلق آراء منحازة.
التأثير على الصحفيين: الصحفيون أنفسهم قد يعانون من الضغوط النفسية والمهنية عندما يتحول عملهم إلى مجرد وسيلة للكسب المالي. هذا قد يؤدي إلى انخفاض مستوى الاحترافية والشعور بالإحباط.
4. التحديات التي تواجه الصحافة في العصر الرقمي
تواجه الصحافة في العصر الرقمي تحديات جديدة، حيث أصبح الوصول إلى المعلومات أسهل وأكثر تنوعًا من أي وقت مضى. ومع تزايد وسائل الإعلام البديلة على الإنترنت، تجد الصحافة التقليدية نفسها في منافسة شديدة على اهتمام الجمهور. هذا التنافس قد يدفع العديد من الصحفيين والمؤسسات الإعلامية إلى تقليص تكلفة الإنتاج الصحفي وتغيير معايير العمل الصحفي بما يتناسب مع التوجهات الحديثة.
بالإضافة إلى ذلك، يتزايد الانقسام في آراء الجمهور حول مصداقية المصادر الإعلامية، خصوصًا في ظل تزايد الأخبار المزيفة والشائعات التي تنتشر عبر الإنترنت. وفي ظل هذه التحديات، قد يتخلى العديد من الصحفيين عن القيم الصحفية الأساسية ويميلون نحو استخدام الصحافة كوسيلة لجني الأرباح دون الاهتمام بمصلحة المجتمع أو تقديم معلومات دقيقة.
5. السبل الممكنة لإعادة الصحافة إلى مسارها المهني
من أجل معالجة هذه التحولات السلبية، هناك العديد من الحلول التي يمكن أن تساعد في إعادة الصحافة إلى مسارها المهني والموضوعي. من بين هذه الحلول:
تعزيز التثقيف الإعلامي: من خلال برامج تدريبية للصحفيين والشباب لتطوير مهاراتهم الإعلامية والتحقق من المصادر.
تشجيع الصحافة المستقلة: يجب دعم الصحافة المستقلة التي تحترم القيم الصحفية وتضع الموضوعية والمصداقية في مقدمة أولوياتها.
منح صفة الصحفي الا للأشخاص ذوو الضمير المهني لقطع الطريق عن اامسترزقين
وفي سياق موازي فتحول الصحافة إلى آلية للاسترزاق يمثل تهديدًا كبيرًا لرسالة الصحافة السامية في نقل الحقيقة والمعلومات الموثوقة. لإن دور الصحافة في المجتمع يتطلب مهنية وموضوعية، بعيدًا عن الانحرافات التي قد تضر بالمصلحة العامة. ومن خلال العمل على تعزيز القيم الصحفية وتحقيق التوازن بين العائد المالي والمصداقية، يمكن إعادة الصحافة إلى مسارها الصحيح.