“أعيدوا العصا لمن عصى”.. نداء لإعادة الهيبة والصرامة في زمن الانفلات

برشيد: ذا عمرو العرباوي / مدير النشر
في زمن مضى، كانت العصا رمزا للهيبة والسلطة وتقويم السلوك، حاضرة في يد الأب والمعلم والشيخ، تذكر الجميع بأن من يتجاوز حدوده سيجد من يرده إلى جادة الصواب، ومع تغير الأزمنة، خفت بريق هذه العصا وتراجعت هيبتها، تحت ضغط مفاهيم التربية الحديثة وحقوق الطفل والإنسان، حتى غدت كلمة “العقاب” نفسها محرمة في بعض الأوساط.
لكن اليوم، ومع تزايد مظاهر التمرد على القيم والقوانين والأخلاق، يرفع البعض شعار “أعيدوا العصا لمن عصى”، كتعبير عن الحنين إلى زمن الحزم والصرامة، حين كان الخوف من العقوبة وحده كافيا لكبح جماح المخالفين، وحين كان التقدير والاحترام واجبا لا خيارا.
لا يدعو أصحاب هذا الشعار بالضرورة إلى العودة إلى العنف أو الضرب، وإنما يقصدون به استعادة قوة الردع، ووضع حدود صارمة لا يتجاوزها أحد دون حساب، حتى لا يتحول المجتمع إلى غابة يعلو فيها صوت الفوضى على القانون.
ففي المدارس، مثلا، أدى غياب الحزم أحيانا إلى تمرد بعض التلاميذ على أساتذتهم، وفي الأسرة تراجع دور الآباء أمام موجات “الدلال المفرط”، فكبر جيل لا يخشى سلطة ولا يحترم حدودا، وفي الشارع، تزايدت التجاوزات وارتفعت معدلات الجريمة الصغيرة والكبيرة على حد سواء، مما يبرر نداءات استعادة الهيبة والحزم في تطبيق القانون.
إن عبارة “أعيدوا العصا لمن عصى” تختصر ببساطة حلما باسترجاع سلطة الضبط الأخلاقي والاجتماعي، مع ما يستلزمه ذلك من قواعد واضحة، وعقوبات رادعة، تزرع في النفوس احترام الآخر والالتزام بالنظام.
قد يجادل البعض أن العصا رمز للتعنيف والإكراه، لكن الحقيقة أن غياب الردع أحيانا لا يولد إلا مزيدا من العصيان والتمرد، لأن الإنسان بطبعه قد يحتاج إلى حدود واضحة تضبط سلوكه.
إن التحدي الذي يواجهنا اليوم هو كيف نوازن بين الحزم والرحمة، فلا نعود إلى القسوة العمياء التي تحطم النفوس، ولا نسقط في فوضى التساهل التي تهدم القيم.
مخرحات هذا المقال ، يظل النداء بإعادة العصا لمن عصى دعوة عميقة لإعادة الاعتبار للانضباط والهيبة في المجتمع، وإحياء ثقافة المسؤولية والالتزام، حتى لا نترك الباب مفتوحا أمام كل من يريد العبث بثوابتنا وقيمنا.