اخبار منوعة
“إفساد الذوق العام: مسؤولية مشتركة أم مؤامرة على الجمال؟”

برشيد : ذا عمرو العرباوي/ مدير النشر
في زمن تتسارع فيه التغيرات الثقافية والاجتماعية بشكل غير مسبوق، يبرز أمامنا مشهد مقلق يتجسد في تدهور الذوق العام، سواء في الملبس أو الفن أو الخطاب أو حتى في سلوكيات الحياة اليومية، هذا التراجع لم يكن صدفة ولا نتاج لحظة عابرة، بل هو حصيلة تراكمات معقدة ومسؤوليات موزعة بين الأفراد والمؤسسات، الإعلام والتعليم، وحتى النخبة الثقافية والفنية.
أولاً: ما المقصود بإفساد الذوق؟
الذوق ليس مجرد تفضيل شخصي، بل هو انعكاس لثقافة المجتمع ومستوى وعيه وجماليته، وعندما نتحدث عن إفساد الذوق، فإننا نقصد تسفيه القيم الجمالية، والترويج لرداءة الأشكال والمضامين، سواء في الموضة، أو في الأغاني، أو البرامج، أو الخطاب العام، حتى يصبح القبح معيارًا مقبولًا أو مفضلًا، ويُقصى الجميل والراقي تحت ذريعة “المعاصرة” أو “الحرية”.
ثانياً: أين نرى مظاهر هذا الإفساد؟
-في الفن: أغاني بلا معنى، كلمات مبتذلة، ألحان تجارية، وتضخيم لفنانين بلا محتوى.
-في الموضة: تشجيع على اللباس الغريب والمبتذل، وإقصاء للأناقة الحقيقية والذوق المحتشم.
-في الإعلام: برامج تافهة، محتوى سطحي، غياب النقاش الرصين، واستضافة “مؤثرين” بدل المثقفين.
-في التعليم: غياب التربية الجمالية، تغييب الفنون والموسيقى والقراءة من المناهج.
-في الشارع: سلوكيات غير حضارية، تلويث سمعي وبصري، رداءة في الذوق المعماري والتخطيط العمراني.
ثالثاً: من يتحمل المسؤولية؟
-الأسرة: أول مدرسة للذوق، فإن غابت التربية على الجمال والذوق، نما الطفل على العشوائية والبذاءة.
-الإعلام: شريك رئيسي في الترويج للرداءة، حين يفتح أبوابه للمبتذل ويغلقها في وجه الإبداع.
-المدرسة: مسؤولة عن بناء الحس الجمالي، لكنها غالبًا ما تُختزل في التلقين والحشو دون تنمية الذائقة.
-الدولة: من خلال السياسات الثقافية، الدعم العمومي، تنظيم الفضاء العام، وحماية الذوق العام من التشويه.
-المجتمع: الجمهور الذي يتقبل ويستهلك الرداءة بصمت، أو حتى يشجعها دون وعي.
رابعاً: لماذا يحدث هذا الإفساد؟
-الربح التجاري السريع: يغري البعض بتقديم الرداءة لأنها تُباع بسهولة.
-الانبهار بالغرب: تقليد أعمى لكل ما يأتي من الخارج دون تمحيص أو ملاءمة.
-فقدان المعايير: في ظل غياب نُخب قوية تؤطر الذوق وتدافع عنه.
-تراجع الثقافة: حيث لم تعد القراءة أو المسرح أو الموسيقى الراقية ضمن أولويات الناس.
خامساً: ما الحلول الممكنة؟
1-إعادة الاعتبار للتربية الجمالية داخل المناهج والبرامج التربوية.
2-تفعيل دور المؤسسات الثقافية في إنتاج فن راقٍ وجذاب.
3-مراقبة المحتوى الإعلامي والرقمي بما يحفظ الذوق العام دون مصادرة للحرية.
4-تشجيع الفنانين والمبدعين الحقيقيين بدل تجاهلهم لصالح التفاهة.
5-تحسيس المجتمع بدوره كمستهلك يملك القوة لرفض الرداءة وتفضيل الجودة.
مخرحات هذا المقال ، إفساد الذوق العام ليس قضية ترف ثقافي، بل هو انحدار يمس جوهر الإنسان وانتماءه للجمال والانسجام ،إن مقاومة هذا الانحدار لا تحتاج فقط إلى قوانين، بل إلى وعي جماعي يعيد الاعتبار للجمال، ويمنح للفن دوره الحضاري الحقيقي، لأن الذوق ليس فقط مسألة أناقة أو ترف، بل هو مرآة الحضارة وروح المجتمع.