البنية التحتية وبناء الإنسان محور التنمية الشاملة والمستدامة

ذا عمرو العرباوي/ مدير النشر
إن التنمية الشاملة والمستدامة ليست مجرد مشاريع إسمنتية أو مؤشرات رقمية تُعرض في التقارير، بل هي رؤية استراتيجية تتجاوز البنية المادية لتصل إلى جوهر الإنسان، باعتباره غاية التنمية ووسيلتها في آن واحد، فحين تلتقي الإرادة السياسية الواضحة مع التخطيط الاستراتيجي المتوازن، يصبح من الممكن تحقيق تنمية متكاملة تستند إلى ركيزتين أساسيتين: تحديث البنية التحتية والاستثمار في بناء الإنسان.
لقد أدركت الرؤية الملكية لجلالة الملك محمد السادس نصره الله منذ اعتلائه العرش أن التنمية الحقيقية لا يمكن أن تقوم على المشاريع الظرفية أو الحلول الترقيعية، بل على بنية تحتية قوية تشكل العمود الفقري لكل نهضة اقتصادية واجتماعية، وعلى إنسان مؤهل قادر على التفاعل الإيجابي مع متطلبات العصر.
فالموانئ الحديثة، والطرق السيارة، والسكك الحديدية، والمناطق الصناعية، والمشاريع الطاقية الكبرى، ليست سوى أدوات لتيسير حركة الاستثمار والإنتاج والتواصل، لكنها تبقى محدودة الأثر إن لم تتكامل مع العنصر البشري الذي يديرها ويطورها ويمنحها القيمة المضافة.
الاستثمار في البنية التحتية يمثل أساس الارتقاء بالاقتصاد الوطني وتحسين تنافسية المغرب على الصعيدين الإقليمي والدولي.
والقطار السريع والربط الكهربائي، والطاقة المتجددة، ليست إنجازات هندسية فحسب، بل روافع استراتيجية أسهمت في جذب الاستثمارات الأجنبية، وتنشيط الاقتصاد الوطني، وخلق فرص الشغل المستدامة.
هذه المشاريع لم تَعُد مجرد مظاهر للتقدم العمراني، بل أصبحت أدوات لتقليص الفوارق المجالية وربط المغرب من شماله إلى جنوبه، ومن شرقه إلى غربه، في وحدة اقتصادية وتنموية متكاملة.
غير أن التنمية لا تكتمل دون العنصر البشري الواعي، القادر على استيعاب التحولات والتفاعل مع التطورات.
إن بناء الإنسان المغربي من خلال التعليم الجيد، والتكوين المهني العصري، والرعاية الصحية، وتكافؤ الفرص، يمثل الركيزة الثانية لأي مشروع تنموي ناجح.
فالموارد البشرية المؤهلة تشكل اليوم رأسمالا لا يقل أهمية عن المال أو المعدات، لأنها تضمن الاستدامة وتُحصّن المجتمع ضد التهميش والانحراف والبطالة.
في هذا السياق، ركزت السياسات العمومية على إصلاح منظومة التعليم والتكوين، ودعم روح المبادرة وريادة الأعمال لدى الشباب، وتشجيع المرأة على الاندماج في سوق الشغل، إيمانا بأن تنمية الأوطان تبدأ من تنمية الإنسان ذاته.
إن الرؤية الملكية المتبصرة لا تفصل بين البنية التحتية المادية والبنية الفكرية والروحية للمواطن، بل ترى في توازنهما شرطا لتحقيق التنمية المستدامة.
فحين تتوفر المدارس والمستشفيات والطرق، ولكن يُهمل تكوين الإنسان على قيم المواطنة والمسؤولية والجدية، فإن التنمية تفقد روحها ومغزاها.
لذلك كان التركيز على تخليق الحياة العامة، وربط المسؤولية بالمحاسبة، وترسيخ العدالة الاجتماعية، من أجل بناء مجتمع متماسك يقوم على قيم العمل والشفافية والاحترام المتبادل.
مخرجات هذا المقال، إن بناء الطرق لا يقل أهمية عن بناء العقول، وإن إقامة الجسور والموانئ لا تكتمل إلا بإقامة جسور الثقة والوعي بين المواطن والدولة.
فالتنمية المستدامة التي يتوخاها المغرب اليوم هي تنمية متوازنة، تجعل من الإنسان محور كل السياسات العمومية، ومن البنية التحتية قاعدة لتقدمه ورفاهيته.
بهذا المعنى، تظل البنية التحتية وبناء الإنسان وجهين لعملة واحدة في مشروع وطني طموح يرسم ملامح مغرب المستقبل، مغرب الحداثة والكرامة والعدالة المجالية.



