اخبار منوعة

“التشكيك الديني: الخطر الصامت وسبل التحصين في زمن الاضطراب الروحي”

برشيد : ذا عمرو العرباوي/ مدير النشر .
في ظل التحولات المتسارعة التي يشهدها العالم، والانفتاح الرقمي غير المسبوق، بات المسلم اليوم عرضة لموجات من التشكيك الديني، التي تتسلل خفية عبر الخطابات المغلفة بالعقلانية أو الحداثة، دون أن يملك أحيانًا أدوات الفهم أو المقاومة، ورغم أن الإسلام دين يدعو للتفكر والتأمل، إلا أن هناك فرقًا شاسعًا بين البحث عن الحقيقة والتشكيك الهدام الذي يسعى لهدم الثوابت وزعزعة الإيمان.
التشكيك الديني لا يأتي دائمًا بصور صريحة، بل كثيرًا ما يرتدي لبوس التساؤل الفلسفي أو النقد الثقافي، فيُطعن في النصوص الشرعية، أو يُشوه التاريخ الديني، أو يُسفه العلماء والمرجعيات، بل وقد يُستخدم الدين ذاته ضد المتدينين بأساليب انتقائية تخدم أجندات معينة.
وقد تكون هذه الظاهرة ناتجة عن:
-ضعف التكوين الديني لدى الأفراد.
-تجارب شخصية مؤلمة مرتبطة بالدين أو برموزه.
-تأثير المحتوى الرقمي السلبي أو الخطابات العدوانية.
-حملات فكرية منظمة تهدف إلى تفريغ المجتمع من قيمه الروحية.
فاستشعار خطر التشكيك الديني لا يحتاج إلى أدوات أمنية بقدر ما يحتاج إلى وعي فكري وبصيرة تربوية، ويمكن رصد بوادر الخطر من خلال:
1-ظهور تساؤلات مشوشة: كثرة الأسئلة التي تنم عن اضطراب داخلي لا عن رغبة في الفهم.
2-الانجذاب لمحتوى ناقد للدين دون توازن معرفي.
3-السخرية من المظاهر الدينية أو التقليلات المتكررة من المرجعيات الشرعية.
4-الانعزال التدريجي عن الشعائر، والاستهانة بها أو تأجيلها بلا مبرر.
5-تبني خطاب مادي محض، ونبذ كل ما هو غيبي أو تعبدي.
فالتحصين من التشكيك الديني لا يكون بالمنع أو القمع، بل عبر بناء جبهة معرفية وروحية قوية من الداخل، تشمل:
1-التربية الإيمانية العميقة: ليس كافيًا أن نحفظ أبناءنا بعض الأحكام، بل يجب أن نُعمّق فيهم محبة الله، ونعزز علاقتهم الشخصية به من خلال قصص الأنبياء، وتجارب الصحابة، وربط السلوك بالإيمان.
2-التكوين الشرعي الوسطي: التشكيك غالبًا ما يجد مدخله في الجهل أو في التطرف، لذا فإن بناء فهم ديني وسطي، من مصادر موثوقة، يجعل المسلم أقل عرضة للانزلاق.
3-تنمية التفكير النقدي الموجه: بدل أن نمنع الشباب من طرح الأسئلة، يجب أن نعلّمهم كيف يسألون بشكل منهجي، وكيف يبحثون عن الأجوبة من مصادر أصيلة، لا من مدوّنات مشبوهة أو قنوات تحريفية.
4-الانفتاح على التحديات الفكرية: العزلة الثقافية تجعل الفرد هشًا أمام أول عاصفة فكرية. علينا أن نواجه الأسئلة الكبرى — مثل: لماذا نصلي؟ ما معنى وجودنا؟ ما علاقة الدين بالحياة؟ — بأدوات تجمع بين النقل والعقل.
5-القدوة الصالحة في البيت والمجتمع: أكبر تحصين من التشكيك هو أن يرى الفرد في والديه، ومعلميه، ومحيطه، نموذجًا راقيًا للدين: لا كرهًا ولا تعصبًا، بل رحمة، عدل، حكمة، وكرامة.
مخرحات هذا المقال ، الإيمان ليس مجرد تقليد، بل هو قناعة نابعة من الفهم، ومحبة صادقة لله ورسوله، وطمأنينة تنبع من معرفة الغاية، وفي زمن الضجيج، يظل الدين ملاذًا للروح، بشرط أن نُعيد اكتشافه بصدق، بعيدًا عن الانفعالات أو الردود الجاهزة، التشكيك لن ينتهي، لكن الواعي لن يكون فريسة له، لأنه يعرف من هو، وماذا يؤمن، ولماذا يعيش .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى