اخبار منوعة

التناوب السياسي في تدبير الشأن المحلي: برشيد بين منطق المحاسبة وواجب منح الفرصة

 

ذا عمرو العرباوي/ مدير النشر

يُعدّ التناوب السياسي أحد المرتكزات الأساسية لترسيخ الممارسة الديمقراطية السليمة، ليس فقط على مستوى تدبير الشأن العام الوطني، بل كذلك في تدبير الشأن المحلي الذي يُفترض أن يكون الأقرب إلى هموم المواطن اليومية وانتظاراته التنموية، ومن هذا المنطلق، تطرح التجربة السياسية الراهنة بمدينة برشيد أسئلة عميقة حول حدود المحاسبة، ومعنى الفرصة، وتوقيت النقد السياسي.

سياق استثنائي ومشهد غير اعتيادي

عرفت مدينة برشيد منعطفاً سياسياً غير مسبوق، عقب صدور قرار عزل رئيس المجلس الجماعي السابق وبعض نوابه ومستشارين، في خطوة تعكس بوضوح تفعيل آليات ربط المسؤولية بالمحاسبة، كما ينص على ذلك الدستور والقوانين التنظيمية للجماعات الترابية، غير أن هذا العزل لم يكن نهاية المطاف، بل بداية مرحلة جديدة أفرزت مجلساً جماعياً بتشكيلة مغايرة، تقوده لأول مرة امرأة تنتمي لحزب التجمع الوطني للأحرار، الحزب الذي تصدر نتائج الانتخابات بحصوله على 14 مقعداً، ما منحه مشروعية سياسية وانتخابية واضحة.

مشروعية الأغلبية وحق التجربة

سياسياً وديمقراطياً، لا يمكن القفز على حقيقة أن الحزب المتصدر للانتخابات المحلية يملك الحق الكامل في قيادة المجلس وتدبير ما تبقى من الولاية الانتدابية، خاصة إذا تعلق الأمر بمرحلة تصحيح المسار ومحاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه من اختلالات سابقة، فالتناوب السياسي، في جوهره، ليس تصفية حسابات ولا سباقاً انتخابياً سابقاً لأوانه، بل هو عملية تبادل للخبرات وتراكم للتجارب، هدفها تحقيق النجاعة وتحسين الأداء.

من هذا المنظور، يبرز تساؤل مشروع: أليس من حق هذا المجلس الجديد أن يُمنح الحد الأدنى من الزمن السياسي والمؤسساتي لتفعيل رؤيته وبرنامجه؟ أليس من السابق لأوانه الحكم بالفشل أو جرّ البساط من تحت أقدامه، قبل أن تتضح معالم اشتغاله ونتائج تدبيره؟

بين النقد المشروع والتشويش السياسي

لا خلاف في أن النقد حق مكفول، بل ضرورة ديمقراطية لضمان الشفافية وحسن التدبير، غير أن الفرق كبير بين النقد البناء القائم على التتبع الموضوعي والتقييم الرصين، وبين التشويش السياسي الذي يستهدف إضعاف التجربة في مهدها، بدوافع انتخابية أو حسابات ضيقة، فالمشهد السياسي المحلي ببرشيد اليوم يحتاج إلى التهدئة، لا إلى مزيد من الاستقطاب، وإلى مناخ ثقة يسمح للمجلس الجديد بالاشتغال في ظروف طبيعية وهادئة.

إن تحميل المجلس الحالي إرث سنوات -من الاختلالات وتوقف مشاريع التنمية بشكل لا يمكن تبريره -، ومطالبته بتحقيق المعجزات في فترة زمنية محدودة، لا يخدم المصلحة العامة، بقدر ما يساهم في تعميق أزمة الثقة بين المواطن والمؤسسات المنتخبة.

القيادة النسائية ورهان تخليق الحياة العامة

قيادة امرأة للمجلس الجماعي في هذا السياق ليست مجرد معطى رمزي، بل تشكل فرصة حقيقية لإعادة الاعتبار لفعل سياسي محلي قائم على الانفتاح، التواصل، وتخليق الحياة العامة، وهو رهان ينسجم مع الخطاب الرسمي الداعي إلى تعزيز مشاركة المرأة في مراكز القرار، وإلى تجديد النخب المحلية القادرة على استعادة ثقة الساكنة.

مخرجات هذا المقال ، إن تجربة التناوب السياسي في تدبير الشأن المحلي بمدينة برشيد تظل اختباراً حقيقياً لمدى نضج الفاعلين السياسيين، وقدرتهم على تغليب المصلحة العامة على منطق الصراع، فإما أن يُنظر إلى هذا المجلس الجديد كفرصة أخيرة لتصحيح المسار الديمقراطي وبناء فضاء تنموي جديد، أو يُحوّل إلى ضحية صراعات مبكرة تفرغ التناوب من مضمونه الديمقراطي.

وفي كل الأحوال، يبقى الحكم النهائي بيد المواطن، وحده القادر على تقييم الأداء وربط القول بالفعل، بعيداً عن الأحكام المتسرعة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى