اخبار منوعة

التوظيف السياسي لدى الاحزاب مدونة الاسرة كنمودج

عمرو العرباوي – مدير النشر
من بين اهم الاصلاحات القانونية التي نادى وينادي بها كل الأطياف السياسية والمجتمع المدني والباحثين في مجال حقوق الانسان ، إنها مدونة الأسرة ، وتُعتبر هذه الإصلاحات القانونية التي تمس العلاقات الأسرية بشتى جوانبها .
 كما لا يخفى على الجميع أنها  مطلب مجتمعي جاءت استجابة للتحولات الاجتماعية والحقوقية التي تراكمت عبر عقود مضت ، غير أن هذه المدونة لم تسلم من التوظيف السياسي من قبل الأحزاب، حيث أصبحت أداة تستخدمها بعض القوى السياسية لتحقيق مكاسب انتخابية أو ترسيخ توجهاتها الإيديولوجية بعدما فقدت ثقة القاعدة الانتخابية بسبب الكيل بمكيالين و عدم تنزيل البرامج الانتخابية .
لتوضيح هذه المقاربة السياسية يقتضي منا تسطير مجموعة من المفاهيم كمايلي:
أولا : تحديد مفهوم التوظيف السياسي ومدونة الأسرة كنموذج، سبق القول أن  التوظيف السياسي يعني استغلال قضية أو موضوع معين لتحقيق أهداف سياسية، سواء عبر الدعاية الانتخابية، لكسب التأييد الشعبي، أو توجيه النقاش العام، فمدونة الأسرة ليست فقط نصًا قانونيًا، بل قضية مجتمعية تحمل أبعادًا دينية، ثقافية، واجتماعية، مما يجعلها مادة خصبة للتوظيف السياسي بكل بساطة .
ثانيا : كيف توظف الأحزاب مدونة الأسرة؟
1-هنا يمكن توظيف الفعل الأيديولوجي أي الصراع بين فئتين ، فئة المحافظين وفئة الحداثيين.
-فالأحزاب ذات المرجعية الإسلامية تركز على الطابع الديني للأسرة وترفض أي إصلاحات تمس القوامة أو الإرث، ما يجعلها توظف مقتضيات اصلاح المدونة لاستقطاب الفئات المحافظة.
-أما الأحزاب ذات التوجه الحداثي فتسلك طريق الدعوة إلى مزيد من الإصلاحات، مثل المساواة في الإرث ورفع التجريم عن العلاقات خارج الزواج، تقييد التعدد ، منع زواج القاصرات وغيرها  مما يعزز موقعها لدى النخب والحقوقيين.
2-التوظيف الانتخابي: استمالة الناخبين , بحيث نجد بعض الأحزاب تثير موضوع مدونة الأسرة قبل الانتخابات لإثارة الجدل واستقطاب أصوات معينة، دون أن يكون لديها رؤية واضحة أو إرادة سياسية لتنفيذ الإصلاحات، أحيانًا يتم استغلال الملف لتشتيت الرأي العام عن قضايا أكثر إلحاحًا، مثل ارتفاع السعار المواد الغذائية، البطالة ، قلة الخدمات الاجتماعية (الصحة ، التعليم وووووووووووو)
3-التوظيف المؤسساتي: الضغط على الدولة , بعض الأحزاب تستغل النقاش حول المدونة للضغط على الحكومة من أجل تمرير أو تعطيل إصلاحات معينة وفقًا لمصالحها, يتم استخدام البرلمان والمنظمات الموازية للترويج لخطابات معينة حول المدونة، سواء في اتجاه التشدد أو التخفيف.
4-تأثير هذا التوظيف على المجتمع : يعني تعطيل الإصلاحات ، فعندما تتحول المدونة إلى توظيف سياسي، فإن الإصلاحات تصبح رهينة التجاذبات الحزبية بدل أن تكون مبنية على دراسة مجتمعية علمية، مما يجعل هذا التوظيف مدعاة إلى الاستقطاب والانقسام ، بالتالي يساهم  في خلق استقطاب حاد بين مختلف فئات المجتمع، مما يعطل التوافق حول قضايا الأسرة.
ثالثا : ماهي البدائل والحلول الممكنة نحو مقاربة مجتمعية عقلانية ؟
من اجل جعل التوظيف السياسي اكثر حكامة ونجاعة ، ينبغي فصل ملف اصلاح مدونة الاسرة عن المزايدات السياسية ، بحيث يجب التعامل مع مدونة الأسرة كموضوع مجتمعي وقانوني بعيدًا عن الحسابات الانتخابية المرتقبة ،
-إشراك الفاعلين الحقيقيين: مثل الجمعيات النسائية، علماء الدين، والباحثين الاجتماعيين والحقوقيين لضمان إصلاح متوازن يراعي مصالح المجتمع كافة بغض النظر عن مكوناته الشخصية والمعنوية .
-اعتماد الحوار الوطني: بدل فرض وجهات نظر إيديولوجية ضيقة، ينبغي تنظيم نقاش وطني واسع يشمل كل الأطراف المعنية.
-تفعيل البحث العلمي: عبر دراسات ميدانية تحدد مدى تأثير المدونة الحالية والحاجة إلى تطويرها بعيدًا عن التجاذبات الحزبية.
مخرحات هذا المقال، ينبغي التركيز على أن مدونة الأسرة ليست مجرد نص قانوني، بل هي مرآة تعكس التحولات الاجتماعية والتحديات الثقافية في المغرب، وأن توظيفها سياسيًا يعرقل أي إصلاح جاد ويجعلها رهينة المزايدات ، فالحل يكمن في التعامل معها بمنطق حواري تشاركي بعيدًا عن الاستغلال الايديولوجي والحزبي الضيق، حتى تحقق العدالة الاجتماعية وتحافظ على استقرار الأسرة المغربية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى