اخبار منوعة
الجريمة الإلكترونية بين الردع والحماية الذاتية

ذا عمرو العرباوي/ مدير النشر
لم يعد الفضاء الرقمي في المغرب مجرد وسيلة للتواصل أو تبادل المعلومات، بل أصبح مجالاً واسعاً لنشاطات مشروعة وأخرى غير مشروعة، مما جعل الجريمة الإلكترونية واقعاً لا يمكن إنكاره، فهي جريمة عابرة للحدود، تُرتكب عبر شبكات المعلومات والأنظمة الرقمية، وتستهدف الأفراد والمؤسسات والدولة على حد سواء.
مفهوم الجريمة الإلكترونية
يقصد بالجريمة الإلكترونية كل فعل يتم عن طريق الأنظمة المعلوماتية أو وسائط إلكترونية، ويترتب عنه مساس بالبيانات أو النظم أو الحقوق الرقمية للأشخاص. فهي جريمة حديثة النشأة، ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالتطور التكنولوجي، وتختلف عن الجرائم التقليدية في وسيلتها وأدواتها، لكنها لا تقل خطورة عنها.
أنواع الجرائم الإلكترونية
1-الجرائم المالية: مثل الاحتيال عبر البطاقات البنكية أو اختراق الحسابات المصرفية.
2-جرائم انتهاك الخصوصية: كسرقة الصور أو البيانات الشخصية ونشرها دون إذن.
3-جرائم الاختراق: شلّ المواقع الإلكترونية الحكومية أو المؤسسات الاقتصادية الكبرى.
4-الجرائم ذات الطابع الإرهابي: الترويج للتطرف أو التجنيد عبر الإنترنت.
5-الجرائم ضد الأطفال: كالتغرير والتحرش عبر الوسائط الإلكترونية.
النصوص القانونية المنظمة
المشرع المغربي لم يقف مكتوف اليدين أمام هذا التطور، بل سنّ ترسانة قانونية متخصصة، من أبرزها:
-القانون رقم 07-03 الصادر بتاريخ 11 نوفمبر 2003، والذي عدّل مجموعة القانون الجنائي بإضافة باب جديد تحت عنوان “المس بنظم المعالجة الآلية للمعطيات” (المواد من 607-3 إلى 607-11). هذا القانون يجرم:
-الولوج غير المشروع إلى نظم المعالجة الآلية (الفصل 607-3).
-عرقلة عمل النظام أو إتلاف المعطيات (الفصل 607-5).
-الاحتيال المعلوماتي والاستغلال غير المشروع للبيانات (الفصل 607-7).
-القانون 09-08 المتعلق بحماية المعطيات ذات الطابع الشخصي، الصادر سنة 2009، والذي يفرض ضوابط صارمة على جمع ومعالجة وتداول البيانات الرقمية.
-القانون 53-05 المتعلق بالتبادل الإلكتروني للمعطيات القانونية، الذي أضفى الحجية على المحررات الإلكترونية، وفتح الباب أمام تنظيم المعاملات الرقمية.
الإشكال القانوني هو هل حماية النفس أم ارتكاب جريمة؟
قد يجد الفرد نفسه أمام وضعية حرجة، فيضطر مثلاً إلى اختراق بريد شخص يبتزه للحصول على دليل يبرئه، فهل يُعفى من العقاب؟ بالنسبة للقانون الجنائي المغربي يأخذ بمبدأ الضرورة والدفاع الشرعي (الفصول 124 و125 من القانون الجنائي)، اللذين يعفيان من المسؤولية الجنائية إذا كان الفعل ضرورياً لدفع خطر حالّ لا يمكن اتقاؤه بوسيلة أخرى مشروعة، شريطة أن يكون متناسباً مع الخطر.
لكن يبقى القضاء هو الجهة المخوّلة لتقدير هذه الحالات، وهو ما يعني أن الادعاء بحماية النفس لا يكفي وحده، بل يجب إثبات أن الخطر كان حقيقياً ومباشراً، وأن الوسيلة المستعملة لم تتجاوز حدود الدفاع المشروع .
مخرجات هذا المقال ،الجريمة الإلكترونية واقع يتسع مع رقمنة الحياة اليومية، وتشريعات المغرب تسعى لمسايرة هذا التطور بترسانة قانونية متقدمة، غير أن التحدي يكمن في إيجاد توازن بين الردع الصارم لمواجهة الجرائم المعلوماتية، وبين تفهم الحالات الاستثنائية التي قد يلجأ فيها الأفراد لأفعال غير مشروعة بدافع حماية أنفسهم من أضرار قائمة، ويبقى القضاء هو الفيصل في رسم الحدود بين الفعل المشروع والفعل المجرّم، بما يحفظ الأمن الرقمي ويصون الحقوق الفردية والجماعية.