اخبار منوعة

الزيارات المفاجئة للمسؤولين بين ضغط الشارع والاستهلاك الإعلامي

ذا عمرو العرباوي/مدير النشر
باتت الزيارات المفاجئة التي يقوم بها بعض المسؤولين إلى المرافق العمومية والمؤسسات الحيوية مثار نقاش واسع داخل الرأي العام، فبينما يُفترض أن تشكل هذه الزيارات أداة رقابية فعالة وآلية لتقويم الاختلالات، غالباً ما تتحول، حين تأتي تحت ضغط الاحتجاجات أو بدافع الموجات الإعلامية، إلى مجرد خطوة استعراضية هدفها امتصاص الغضب الشعبي أكثر مما تسعى إلى إرساء ثقافة الإصلاح والمحاسبة.
الزيارة الميدانية: بين الفلسفة الأصلية والانحراف عن الهدف
أصل فكرة الزيارة المفاجئة ينبع من الحاجة إلى الوقوف على الواقع الحقيقي للمؤسسات العمومية، بعيداً عن التقارير الرسمية المعدّة سلفاً، والتأكد من مدى احترام القانون وتقديم الخدمات للمواطنين بجودة ومسؤولية، فهي أداة من أدوات الحكامة الجيدة، ووسيلة لردع التسيّب والبيروقراطية، وتشجيع الموظفين على الانضباط.
غير أن هذه الفلسفة سرعان ما تفقد معناها حين تصبح مرتبطة حصراً بضغط الشارع. فعوض أن تكون أداة استباقية للتخليق والرقابة الدائمة، تتحول إلى مجرد رد فعل ظرفي يراد منه امتصاص الاحتقان وإطفاء شرارة الغضب الاجتماعي، وفي هذه الحالة، فإن أثرها لا يتجاوز حدود الصورة الإعلامية والبيانات الرسمية، لتظل الممارسات اليومية على حالها دون تغيير جوهري.
حين يختزل الإصلاح في الاستعراض
يلاحظ المتتبعون أنّ عدداً من الزيارات التي تحظى بتغطية إعلامية واسعة لا تفضي إلى إصلاحات ملموسة أو قرارات متابعة ومحاسبة، فغالباً ما يتم التركيز على الجانب الاستعراضي الذي يهدف إلى إقناع الرأي العام بأن المسؤول حاضر ومهتم، في حين يظل عمق الإشكال مرتبطاً بضعف المتابعة المؤسساتية والرقابة المستمرة.
هذا الانزياح نحو “الاستهلاك الإعلامي” يفرغ الزيارة من مضمونها الحقيقي، ويجعلها وسيلة لتلميع الصورة أكثر مما هي وسيلة للإصلاح.
نحو رؤية منهجية لتقوية المرفق العام
حتى تستعيد الزيارات المفاجئة دورها الطبيعي، ينبغي أن تندرج ضمن استراتيجية مؤسساتية قائمة على:
1.وضع أجندة واضحة تضمن استمرارية الرقابة بعيداً عن ضغط الأحداث.
2.تفعيل آليات التتبع والتقييم التي تربط الزيارة بتقارير عملية تحدد مواطن الخلل وتقترح الحلول.
3.إرساء مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، بحيث لا تكون الزيارة مجرد مناسبة للتصوير الإعلامي، بل منطلقاً لإجراءات تصحيحية ملموسة.
4.إشراك المجتمع المدني والهيئات الرقابية في تقييم نتائج هذه الزيارات، بما يعزز الشفافية ويضمن ثقة المواطن في جدية الإصلاح.
مخرجات هذا المقال ، إن الزيارات المفاجئة للمسؤولين لا ينبغي أن تبقى رهينة ضغط الشارع أو رهينة الصورة الإعلامية، الإصلاح الحقيقي يقاس بمدى انتظام هذه الزيارات وفق رؤية مؤسساتية شاملة، وبقدرتها على كشف الاختلالات ومعالجتها في الميدان لا أمام الكاميرات فقط، فالمرفق العمومي في حاجة إلى إرادة إصلاح مستدامة، تجعل من المراقبة عملاً يومياً منهجياً، لا مجرد رد فعل لحظي يذوب مع انطفاء وهج الاحتجاج أو انقضاء التغطية الإعلامية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى