اخبار منوعة

العدالة المجالية: رهان لتحقيق التنمية الشاملة والمستدامة

ذا عمرو العرباوي / مدير النشر
نظرا لاهمية هذا الموضوع وبعده الاستراتيجي في اتجاه ربح رهان مشروع التنمية المستدامة الشاملة أرتأيت  دعم المقال بالخطاب المولوي حيث :
قال جلالة الملك محمد السادس في خطاب العرش لسنة 2017:
“إن العدالة المجالية هي جوهر المشروع التنموي الذي نطمح إليه، وهي السبيل إلى إنصاف مختلف المناطق والجهات، عبر تمكينها من البنيات الأساسية والفرص الاقتصادية، بما يضمن كرامة المواطن وحقه في التنمية أينما كان.”
هذا التوجيه الملكي يلخّص بوضوح جوهر النقاش الدائر حول العدالة المجالية، باعتبارها المدخل الحقيقي لتحقيق الإنصاف بين مختلف الجهات والمناطق داخل الوطن. فالعدالة المجالية لا تعني فقط توفير الخدمات الأساسية، بل تتجاوز ذلك إلى ضمان توزيع عادل للفرص والموارد والاستثمارات بين الحواضر الكبرى والمناطق الهشة، وبين المركز والأطراف.
العدالة المجالية بين اللغة والاصطلاح
لغةً، تعني العدالة الإنصاف والمساواة وإعطاء كل ذي حق حقه، بينما يحيل المجال إلى الحيز الجغرافي والترابي، وعليه، فإن العدالة المجالية تُترجم إلى إنصاف الجهات والمجالات في الاستفادة من خيرات الوطن.
أما اصطلاحًا، فهي ركيزة أساسية في السياسات العمومية، تقوم على ضمان التوازن في توزيع الاستثمارات، البنية التحتية، الخدمات الصحية والتعليمية، والفرص الاقتصادية بين مختلف المناطق، بما يُحقق تكافؤ الفرص لجميع المواطنين أينما وجدوا.
صلة وثيقة بالتنمية الشاملة والمستدامة
لا يمكن الحديث عن تنمية شاملة في غياب العدالة المجالية، إذ إن الاقتصار على المدن الكبرى أو المناطق الغنية يفرغ مفهوم التنمية من معناه، كما أن الاستدامة تبقى رهينة بتحقيق التوازن بين الجهات، لأن الفوارق المجالية تولّد الهجرة الداخلية، البطالة، الإقصاء الاجتماعي، وقد تُهدد الاستقرار على المدى الطويل، ومن ثَم، فإن العدالة المجالية تمثل جسرًا بين العدالة الاجتماعية والاقتصادية والبيئية، وتُشكّل قلب الرؤية الشاملة للتنمية.
غياب العدالة المجالية.. ضياع للعدالة الشاملة
غياب العدالة المجالية يُترجم مباشرة إلى إقصاء وتهميش مناطق بأكملها، وحرمانها من فرص الاستثمار والخدمات الأساسية. وهذا الوضع يؤدي إلى تكريس الفوارق وتعميق الإحباط وفقدان الثقة في المؤسسات، مما يُعطل إمكانية تحقيق العدالة بمفهومها الشامل، سواء كان اجتماعيًا أو اقتصاديًا أو سياسيًا.
التجربة المغربية في تفعيل العدالة المجالية
في السياق المغربي، يبرز مفهوم العدالة المجالية كأحد المرتكزات الرئيسية في المشروع المجتمعي الذي يقوده جلالة الملك محمد السادس، فقد أولى المغرب اهتمامًا خاصًا بتقليص الفوارق بين الجهات من خلال الجهوية المتقدمة، باعتبارها خيارًا استراتيجيًا يهدف إلى تمكين الجهات من صلاحيات أوسع وموارد مالية كافية لتدبير شؤونها وفق خصوصياتها.
كما تجسدت العدالة المجالية عمليًا في برامج كبرى، أبرزها:
-المبادرة الوطنية للتنمية البشرية التي أطلقت سنة 2005 بهدف محاربة الفقر والهشاشة والإقصاء الاجتماعي في مختلف ربوع المملكة.
-البرنامج الوطني لفك العزلة عن العالم القروي من خلال شق الطرق وتوسيع شبكات الكهرباء والماء الصالح للشرب.
-برنامج تقليص الفوارق المجالية والاجتماعية 2015-2023، الذي خُصصت له ميزانية ضخمة، ركّز على التعليم، الصحة، البنية التحتية، والولوج إلى الخدمات الأساسية بالمناطق النائية.
هذه الأوراش الكبرى تُجسد الإرادة السياسية للمغرب في جعل العدالة المجالية حجر الزاوية لتحقيق التنمية المتوازنة والشاملة، وضمان تكافؤ الفرص بين المواطنين أينما وجدوا.
كيف تتحقق العدالة المجالية؟
تحقيق العدالة المجالية يتطلب إرادة سياسية صلبة، ورؤية استراتيجية شاملة، تُترجم إلى إجراءات عملية، أبرزها:
-التخطيط الترابي المتوازن الذي يراعي خصوصيات كل منطقة.
-تفعيل الجهوية المتقدمة واللامركزية في تدبير الشأن العام.
-الاستثمار في البنيات التحتية والخدمات الأساسية عبر مختلف الجهات.
-تشجيع الاستثمار الخاص في المناطق المهمشة بتحفيزات مالية وضريبية.
-إشراك الساكنة المحلية في تحديد حاجياتها وأولوياتها.
-توزيع عادل لميزانية الدولة على أساس معايير الإنصاف لا الولاءات.
-آليات للتتبع والتقييم لضمان سدّ الفوارق المجالية بشكل تدريجي.
مخرجات هذا المقال ، فالعدالة المجالية ليست ترفًا فكريًا أو مطلبًا ثانويًا، بل هي صمام أمان لتحقيق تنمية متوازنة وشاملة ومستدامة. فبقدر ما تساهم في إنصاف الجهات وضمان تكافؤ الفرص، فإنها تعزز اللحمة الوطنية وتُحوّل التفاوتات إلى تكاملات تُغني النسيج الوطني، والتجربة المغربية في هذا المجال تُؤكد أن العدالة المجالية ليست مجرد شعار، بل خيار استراتيجي يرسم معالم المغرب الجديد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى