اخبار منوعة

برشيد، الذاكرة المنسية: صراع النخب السياسية على القيادة يقصي مشاريع التنمية.

برشيد : ذا عمرو العرباوي/مدير النشر

في قلب سهل الشاوية، وبين الحقول التي كانت شاهدة على تحولات كبرى في تاريخ المغرب الإداري والسياسي، تقف مدينة برشيد كأنها شجرة اقتُلعت من جذورها، تائهة بين ماضٍ منسي وحاضر مثقل بالصراعات وغياب الرؤية، المدينة، التي كانت تُعوَّل عليها لتكون قطبا حضريًا صاعدًا، أصبحت اليوم عنوانًا لفشل السياسات المحلية، وضحية لصراع نخب سياسية حول الزعامة لا حول خدمة المواطن أو بناء مستقبل مشترك.

صراع النخب: الطموحات الشخصية تسبق المصلحة العامة،

منذ أربعة سنوات، تشهد برشيد تنافسًا محمومًا بين عدة أطراف سياسية، حيث تسود حسابات ضيقة يغلب عليها منطق السيطرة والتموقع بدل التوافق والتكامل. كل دورة انتخابية تتحول إلى معركة كسر عظم، سرعان ما تنعكس على سير المجالس المنتخبة التي تستهلك الزمن في تصفية الحسابات بدل تفعيل المشاريع.

المقلق في هذا الوضع أن منسوب الثقة بين المواطنين وممثليهم المحليين تآكل بشكل كبير، وأصبح الشارع البرشيدي يتحدث عن “نخب سياسية فاشلة” و”قيادات تلهث وراء النفوذ والمصالح الشخصية”، في غياب برامج واقعية أو بوصلة تنموية واضحة.

التنمية المستدامة: الغائب الأكبر في أجندات السياسيين،

الواقع الذي آلت إليه المدينة لا يختزل فقط في التعثرات البنيوية والبنيات التحتية المهترئة، بل يتجلى أساسًا في غياب تصور شمولي للتنمية المستدامة، فالبرغم من توفر المدينة على مؤهلات اقتصادية وجغرافية مهمة، لم تُستثمر بشكل عقلاني، بل تم تهميشها في ظل غياب حكامة جيدة واستراتيجيات متوسطة وطويلة الأمد.

مشاريع حيوية مثل إعادة هيكلة الأحياء الهامشية، تقوية شبكة النقل الحضري، بناء محطة طرقية جديدة قادرة على احتواء انتشار محطات عشوائية في كل مكان ،تنشيط الفضاءات الثقافية والرياضية، وتثمين التراث المحلي بقيت مجرد شعارات انتخابية تتبخر بانتهاء الحملات.

برشيد اليوم: بين مركز القرار المعطوب والمجتمع المدني الغائب

من المفارقات المؤلمة أن المدينة، رغم موقعها الاستراتيجي وتنامي ساكنتها، تعيش على هامش الاهتمام الوطني، لا بسبب ندرة الموارد، بل بسبب ضعف التأطير السياسي والمؤسساتي ، كما أن المجتمع المدني والإعلام الاسترزاقي ، الذي كان يمكن أن يشكل رافعة للضغط والتصحيح، يعاني بدوره من التشتت أو الاحتواء، ما جعل المدينة رهينة لمنطق الريع السياسي والجمود المؤسساتي.

أمل في التغيير… لكنه مشروط

التغيير في برشيد لن يتحقق إلا إذا تم القطع مع ممارسات الماضي، وإعادة الاعتبار للانتخابات كآلية لتفويض الإرادة الشعبية لا كوسيلة لتوزيع الغنائم، فالأمر يتطلب نخبًا سياسية جديدة تحمل همّ التنمية بدل همّ السيطرة، ومجتمعًا مدنيًا واعيًا قادرًا على مساءلة ومراقبة الفاعلين.

كما أن الدولة، عبر مؤسساتها المركزية والجهوية، مطالَبة بإعادة تقييم موقع برشيد في الخريطة التنموية، وربط المسؤولية بالمحاسبة لكل من تسبب في هذا “الإفلاس التنموي” الممنهج.

مخرجات هذا المقال، ينبغي التأكيد على أن برشيد ليست مدينة بلا مؤهلات، بل مدينة بلا قيادة موحدة الرؤية، إنها مدينة تنزف تحت وطأة صراعات عبثية ونخب عاجزة عن تَجاوز أنانيتها السياسية، وما لم يتم الإنصات لنبض الشارع، واستحضار المصلحة العامة فوق كل اعتبار، فإن هذه الذاكرة المنسية ستبقى مجرد هامش في كتاب التنمية، لا عنوان لنهضة كان من الممكن أن تتحقق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى