اخبار منوعة
جنون القوة.. حين تتحول القيادة إلى مرض

برشيد :ذا عمرو العرباوي /مدير النشر
في عالم تزداد فيه المنافسة على السلطة والنفوذ، يبرز نوع من السلوك يدعو للقلق، يُعرف بين المتخصصين النفسيين والاجتماعيين بـ”جنون القوة” إنه ذلك الشعور المفرط بالسيطرة والتفوق، والذي يدفع بعض الأفراد، خاصة في مواقع المسؤولية، إلى اعتقاد أنهم فوق القانون، وفوق النقد، وفوق الناس.
على عكس الأمراض النفسية التقليدية، لا يظهر جنون القوة بشكل واضح في بداياته، بل يتسلل تدريجياً إلى سلوك الفرد، ليتحول شيئاً فشيئاً إلى حالة من التعالي المرضي والانفصال عن الواقع، فالشخص المصاب بجنون القوة لا يعترف بالخطأ، ولا يقبل المشورة، ويتحول إلى نسخة متضخمة من ذاته لا ترى في المرآة سوى العظمة والنجاح، حتى ولو كان ذلك على حساب الآخرين.
فالتمييز بين الطموح المشروع و”جنون القوة” ليس بالأمر السهل، فكل قائد أو مسؤول يحتاج إلى مستوى معين من الثقة بالنفس والرغبة في التأثير، لكن عندما تتحول هذه الثقة إلى غطرسة مفرطة، ويصبح الحفاظ على السلطة أهم من القيم، والقرار الفردي أهم من المؤسسات، نكون أمام انحراف مرضي يهدد التوازن العام.
علم النفس الحديث يربط “جنون القوة” بما يعرف بـ متلازمة “هُبريس”، وهي اضطراب نفسي يصيب بعض القادة، خاصة من يظلون لسنوات طويلة في مواقع القرار، فيبدأون في اعتبار أنفسهم المعصومين من الخطأ، ويحاطون بدوائر من المصفقين والمجاملين.
السلطة في حد ذاتها لا تصنع الطغيان، لكنها في بيئات معينة قد تتحول إلى تربة خصبة لتنمية هذا الجنون، فالمجتمعات التي لا تمارس المساءلة، وتفتقر إلى حرية التعبير والتوازن المؤسسي، تفتح المجال أمام هذا النوع من السلوك، بل وتمنحه غطاء من الشرعية والصمت.
فجنون القوة لا يؤثر على صاحبه فقط، بل ينعكس مباشرة على القرارات المصيرية، وعلى أداء المؤسسات، وعلى ثقة الناس في النظام والقانون، ومن بين أعراضه التي تدق ناقوس الخطر:
-تجاهل الرأي العام والمؤسسات التمثيلية.
-معاقبة من يختلف أو ينتقد.
-تبرير الفشل بلغة المؤامرة أو التخوين.
-اتخاذ قرارات فردية مصيرية دون مشاورة أو دراسة.
الوقاية من جنون القوة لا تكمن في الطب، بل في الأنظمة الديمقراطية والرقابة المستقلة ودور المجتمع المدني والإعلام. فحين يشعر المسؤول أنه يُحاسب، ويُسائل، ويُراقب، تقل فرص الانزلاق نحو التسلط.
كما أن التربية السياسية السليمة، القائمة على احترام التعدد والاعتراف بالاختلاف، تمثل جدار صد أولي ضد هذا السلوك.
مخرجات هذا المقال ، ف“جنون القوة” ليس سلوكاً شخصياً عابراً، بل مرض اجتماعي خطير إذا لم يتم تشخيصه مبكراً ومحاصرته، وكلما غابت آليات المراقبة والمحاسبة، كلما وجد هذا الجنون طريقه نحو النفوس ، مهددا الاستقرار ، والعدالة ، وحتى كرامة الإنسان