اخبار منوعة
خلق التغافل خلق الأنبياء والعظماء من الناس

عمرو العرباوي – مدير النشر
من الاخلاق الحميدة التي تسهم في تعزيز التفاهم والتسامح بين الناس ، حيث نجد خلق التغافل ، هذا الخلق العظيم الذي هو بمثابة صورة حقيقية تتجلى فينا جميعا بغاية الحفاظ على العلاقات الطيبة ،وتجنب المشاحنات بين بني البشر ،وتحقيق السلام الداخلي ،وتربية النفس على ظبط الانفعالات ،وكسب احترام وتقدير الآخرين .
فماذا يعني خلق التغافل في حياتنا واليومية ؟
فالتغافل هو تجاوز الزلات وغض الطرف عن الهفوات، ليس عن جهل أو ضعف، بل عن حكمة ورحمة وإدراك أن الكمال لله وحده، وأن الناس يخطئون ويصيبون، وهو خلق راقٍ يحتاج إلى قلب كبير وعقل حكيم، وهو من أخلاق الأنبياء والعظماء الذين تعاملوا مع البشر بعين الرحمة لا بعين الانتقام.
التغافل في سيرة الأنبياء والعظماء
أولا : تغافل النبي محمد ﷺ
كان النبي ﷺ مضرب المثل في التغافل، فلم يكن يتصيد أخطاء أصحابه أو يعاتبهم على كل صغيرة وكبيرة، بل كان يُحسن الظن ويُقدر الظروف.
-مثال: لما جاءه رجل يعترف بالزنا، أشاح النبي بوجهه عنه كأنه لم يسمع، لعله يترك الاعتراف فيُستره الله، لكن الرجل أصر. حتى في إقامة الحدود، كان النبي ﷺ يُعطي فرصة للتوبة.
-مثال آخر: في حادثة الإفك، عندما اتُّهمت السيدة عائشة ظلمًا، لم يندفع النبي ﷺ إلى التصرف بناءً على الشائعات، بل التزم الحكمة والصبر حتى أنزل الله براءتها.
ثانيا : تغافل سيدنا يوسف عليه السلام
يوسف عليه السلام تعرّض للظلم من إخوته وأُلقي في الجبّ، ثم سُجن ظلمًا، لكنه لما أصبح عزيز مصر، لم ينتقم، بل تغافل عن إساءاتهم وقال:
“لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين” (يوسف: 92).
هذا التغافل لم يكن ضعفًا، بل كان منتهى القوة والعظمة.
ثالثا : تغافل عمر بن الخطاب رضي الله عنه
كان عمر حازمًا لكنه كان يتغافل عن صغائر الأمور، يروي التاريخ أنه كان يمشي يومًا في السوق فسمع رجلًا يشتمه، فالتفت إلى صاحبه وقال: “ما قال؟”
قال له صاحبه: “لقد شتمك يا أمير المؤمنين!”
فقال عمر: “لعل له عذرًا لا نعرفه.”
هذا الموقف يظهر تغافله عن الأمور التي لا تستحق النزاع.
رابعا : التغافل في الحياة اليومية
-في العلاقات الزوجية: كثير من المشاكل الزوجية تُحل بالتغافل، كأن يرى الزوج تصرفًا لا يعجبه من زوجته فيتغاضى عنه، والعكس صحيح.
– في العمل: المدير الحكيم يتغافل عن الأخطاء الصغيرة للموظفين ليحفزهم بدلًا من أن يوبّخهم على كل هفوة.
-في الصداقات: الشخص الذي يفتش عن أخطاء أصدقائه سيفقدهم، لكن التغافل يساعد في استمرار العلاقات.
متى لا يكون التغافل محمودًا؟
التغافل لا يعني السكوت عن الظلم أو الفساد أو الانحراف أو التشجيع على العنف، فهناك مواقف تستوجب المواجهة، لكنه في التعاملات اليومية، خلق نبيل يدل على حكمة وسمو أخلاقي عالي مطلوب للحفاظ على السلم الاجتماعي.
عموما ،التغافل هو فن يتطلب حكمة وبصيرة وقلوب رحيمة ، كما أنه ليس ضعفًا، بل هو سلاح الأقوياء، وعلامة على حسن الخلق وسعة الصدر، فالعظماء لا يشغلون أنفسهم بصغائر الأمور، بل يترفعون عنها ليبقى تركيزهم على ما هو أهم وأعظم بهدف توفير بيئة يسودها التسامح والتفاهم ، بتبني هذا الخلق يمكن للفرد أن يسهم في بناء مجتمع أكثر انسجاما وسلاما .