اخبار منوعة

لعنة الإنهاك المتعمد للمال العام تلاحق الوسيط السياسي

برشيد : ذا عمرو العرباوي/ مدير النشر

في المشهد السياسي المغربي، يطفو إلى السطح ملف بالغ الحساسية والخطورة: ظاهرة الإنهاك المتعمد للمال العام التي تحولت إلى أداة غير معلنة للضغط والمساومة داخل أروقة الوساطة السياسية. هذه الظاهرة، التي تتجاوز حدود سوء التدبير إلى دائرة التبديد الممنهج، تكشف عن خلل عميق في بنية الوسيط السياسي، وعن هشاشة منظومة الرقابة والمحاسبة التي يفترض أن تحمي المال العام من العبث.

الوسيط السياسي، الذي يُفترض أن يكون جسرًا بين الدولة والمجتمع، تحوّل في بعض الحالات إلى مركز نفوذ يُدير المال العام كأداة لتثبيت الولاءات أو تصفية الحسابات. ويحدث ذلك عبر مشاريع مُبالغ في تكلفتها، أو إنفاق على مبادرات شكلية لا تعود بالنفع على المواطن، أو عبر تعطيل متعمد لبرامج إصلاحية بهدف استنزاف الموارد وخلق أزمات مصطنعة، النتيجة: ميزانيات مثقوبة، ثقة شعبية متآكلة، وتكريس صورة قاتمة عن الفعل السياسي.

الأخطر في هذا المشهد هو أن الإنهاك المتعمد للمال العام ليس مجرد فساد فردي، بل هو في كثير من الأحيان جزء من إستراتيجية باردة، يُراد بها التحكم في موازين القوى داخل المشهد الحزبي والمؤسساتي. فالموارد المهدورة تُعيد إنتاج نفس النخب، وتضعف إمكانيات الإصلاح، وتبقي المجتمع في حالة انتظار دائم لوعود لا تتحقق.

ورغم أن أجهزة الرقابة، كالمجلس الأعلى للحسابات ووزارة الداخلية، بدأت تكشف اختلالات بالجملة ، إلا أن وتيرة الملاحقة القضائية ينبغي ان تأخذ مسارا استعجالي للحد من سرعة النزيف المالي، هنا، يطرح سؤال مركزي نفسه: إلى متى سيبقى المال العام رهينة لمناورات سياسية مغلّفة بالشرعية الشكلية؟

إن مواجهة لعنة الإنهاك المتعمد للمال العام تتطلب إرادة سياسية صلبة، وتفعيلًا حقيقيًا لمبدأ “من أين لك هذا؟”، وربط المسؤولية بالمحاسبة دون استثناءات، كما تتطلب أيضًا وعيًا مجتمعيًا يرفض التطبيع مع هدر الموارد، ويعيد الاعتبار للفعل السياسي النزيه باعتباره رافعة للتنمية، لا وسيلة للابتزاز أو الإثراء غير المشروع.

و بهذا، يمكن كسر هذه اللعنة قبل أن تتحول من ظاهرة إلى قدر محتوم يطبع الحياة السياسية والاقتصادية في المغرب.

مخرجات هذا المقال ، إن استمرار ظاهرة الإنهاك المتعمد للمال العام يترك أثرًا مباشرًا على الثقة الشعبية في المؤسسات، حيث يشعر المواطن بأن العملية السياسية برمتها لا تخدم الصالح العام، بل تتحول إلى آلية لتغذية مصالح ضيقة، ومع تراكم الإخفاقات، يتسع الفجوة بين المجتمع ومؤسساته المنتخبة، فيتراجع الإقبال على المشاركة السياسية، ويتزايد الإحباط العام. هذا المناخ يخلق بيئة خصبة لخطاب الشعبوية وفقدان الأمل في الإصلاح، مما يهدد الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي على المدى الطويل، ومن هنا، فإن استعادة الثقة لا يمكن أن تتحقق إلا بإجراءات ملموسة تضع حدًا نهائيًا لهدر المال العام، وتثبت بالملموس أن الدولة قادرة على محاسبة الجميع بلا استثناء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى