اخبار منوعة
لعنة السياسة تلاحق الوسيط السياسي المغربي: أزمة ثقة ومأزق تمثيلي

ذا عمرو العرباوي/ مدير النشر
في المشهد السياسي المغربي، تتردد أصداء مأساة مركبة تطارد الوسيط السياسي، وتحاصره بأسئلة الشرعية والمصداقية والأداء، حتى بات الحديث عن “لعنة سياسية” تطارده في كل المحطات، وتضعه في مواجهة مباشرة مع وعي جماهيري متصاعد، بدأ يكشف زيف الأدوار التمثيلية ويطالب بتجديد عميق للنخب والممارسات.
الوسيط السياسي، سواء أكان مستشارًا جماعيًا، برلمانيًا، أو فاعلًا حزبياً محلياً، هو المفروض أن يكون صلة وصل بين الدولة والمواطن، يُعبّر عن هموم الساكنة، ويُسائل السياسات العمومية، ويقترح البدائل. غير أن الواقع يكشف شيئًا آخر: وسطاء سياسيون محاطون بالشبهات، محاصرون بالولاءات، ومعزولون عن نبض المجتمع.
تبدأ “اللعنة” من الانخراط في لعبة انتخابية تتأسس على الولاء لا الكفاءة، وعلى الزبونية لا على البرامج، وسطاء يدخلون المشهد عبر بوابات المال أو القرب العائلي أو القبلي، فيغيب عنهم التأطير السياسي الحقيقي، وتنعدم لديهم الرؤية الاستراتيجية، ويصبح وجودهم مجرد أداة لتكريس الرداءة لا رافعة للتنمية أو الوعي الديمقراطي.
لا يمكن الحديث عن لعنة تلاحق الوسيط السياسي دون الوقوف على معضلة الفساد، التي جعلت العديد من الوسطاء السياسيين ينغمسون في مناورات شخصية، وتبادل مصالح، وتدبير مشبوه للمال العام، وهكذا يتحول الوسيط من حامل لهموم الناس إلى “وسيط للريع”، ومن فاعل في السياسة إلى متواطئ في إسكاتها وتفريغها من محتواها النضالي.
الشعور العام وسط المواطنين هو أن الوسيط السياسي لا يُمثلهم، لا يحضر بينهم إلا في المناسبات الانتخابية، ولا يدافع عن قضاياهم بصدق، بل يراوغ، يناور، ويخضع لإملاءات الجهات التي صنعت وجوده. هذا الانفصال العميق بين الوسيط السياسي وعمقه الشعبي هو ما يكرس “اللعنة” ويجعل صورته مهزوزة في الوعي الجمعي.
لحسن الحظ، لم تعد وظيفة الوسيط السياسي تمرّ دون مساءلة، فالإعلام المستقل الحر والمجتمع المدني بدآ يسلطان الضوء على انحرافات بعض الوسطاء، وينشران ملفات الفساد والتلاعب والتقصير في أداء المهام، هذه الدينامية الجديدة تضغط نحو إعادة تعريف وظيفة الوسيط وربط المسؤولية بالمحاسبة، لكنها لا تزال تصطدم بعوائق ثقيلة من البيروقراطية والولاء السياسي.
ما السبيل للخروج من اللعنة؟
-إصلاح جذري للنظام الانتخابي، بما يضمن اختيار نخب مؤهلة وكفؤة.
-تقوية آليات الرقابة على أداء المنتخبين والمسؤولين.
-إعادة الاعتبار للتكوين السياسي، وربطه بقيم النزاهة والشفافية وخدمة الصالح العام.
-تشجيع الشباب والكفاءات المستقلة على ولوج العمل السياسي بعيداً عن عقلية الزبونية والمصالح الضيقة.
مخرجات هذا المقال ، الوسيط السياسي المغربي لا يزال ممكناً إنقاذه من لعنة السياسة، لكن الأمر يتطلب ثورة هادئة داخل الأحزاب، ووعي شعبي ناقد، وتدخل مؤسساتي صارم، إن تحرير الوساطة السياسية من قبضة المصالح، وإعادتها إلى أصلها النبيل كخدمة عمومية، هو السبيل الوحيد لكسب ثقة المغاربة وبناء ديمقراطية حقيقية يتصدر فيها الفعل السياسي الفضاء العام، لا يُختزل في الوساطة المشبوهة أو التمثيلية الزائفة.