اخبار منوعة

“محاربة الفساد والمفسدين حينما يتحول الشعار إلى مرآة تعكس فساد النخبة السياسية”

ذا عمرو العرباوي / مدير النشر

تتردد على ألسنة السياسيين والفاعلين في الشأن العام عبارة “محاربة الفساد والمفسدين” كما لو كانت نشيدًا وطنيًا أو شعارًا مقدسًا، غير أن الواقع المغربي يكشف عن مفارقة صارخة: الفساد يُدان في الخطاب ويُمارس في الميدان، والمفسدون يُنددون بالفساد في العلن ويستفيدون من ريوعه في الخفاء، وبين الشعار والممارسة، يضيع الوطن والمواطن معًا.

منذ عقود، والحديث عن محاربة الفساد يتصدر الخطابات الرسمية والانتخابية، وكأن كل مرحلة سياسية تبدأ من الصفر وكأن الفساد كائن جديد يولد مع كل حكومة، لكن السؤال الذي يفرض نفسه اليوم: من يحارب من؟ هل تحارب النخبة السياسية نفسها؟ أم أن الفساد أصبح بنية قائمة داخل مؤسسات الدولة يصعب تفكيكها لأنها تخدم مصالح متشابكة بين السياسي والإداري والاقتصادي؟

الحقيقة أن جزءًا كبيرًا من هذه النخبة السياسية التي ترفع شعار الإصلاح هي نفسها التي أنتجت الريع وتغذت عليه، فهي من شرع القوانين على مقاسها، وهي من حولت السياسة من وسيلة لخدمة الصالح العام إلى سوق للمنافع والمناصب والمكاسب الشخصية.
الريع السياسي ليس مجرد امتياز مادي أو منصب بدون كفاءة، بل هو فلسفة تقوم على الزبونية والمحسوبية وتبادل المصالح. فحين يصبح الولاء للحزب أو للشخص أهم من الكفاءة والنزاهة، يتحول الجهاز السياسي إلى شبكة مغلقة، يُقصى منها الشرفاء ويُكافأ فيها المتملقون.
بهذا الشكل، لا يعود الفساد فعلاً معزولًا، بل يتحول إلى منظومة متكاملة تتغذى من ضعف المؤسسات، ومن غياب الشفافية، ومن صمت المواطن الذي فقد الثقة في جدوى المحاسبة.

من يحاسب من؟

في دولة الحق والقانون، يُفترض أن المحاسبة تكون سيدة الموقف، لكن في الواقع المغربي، كثيرًا ما تتحول المحاسبة إلى أداة لتصفية الحسابات السياسية، تُفتح ملفات حينما تتغير موازين القوى، وتُغلق أخرى حينما تتقاطع المصالح، وهكذا، يُصبح الفساد نسقًا متجذرًا لا يُكافح بالتصريحات ولا باللجان، بل بإرادة سياسية حقيقية تتجاوز الأشخاص إلى إصلاح البنية التي تنتجهم.

المواطن المغربي يعيش حالة من التناقض بين وعيه بخطورة الفساد واستسلامه لواقعه، فحين يرى أن المفسدين يترقّون في المناصب، وأن “الشفافين” يُقصَون، تتراجع ثقته في المؤسسات ويختار الانسحاب من الشأن العام، وهنا تكمن أخطر مظاهر الفساد: حين يُقتل الأمل في التغيير ويُصبح الإصلاح مجرّد شعار أجوف.

مخرجات هذا المقال ، إن محاربة الفساد ليست معركة تقنية، بل معركة قيم وإرادة. الإصلاح لا يتحقق بالخطب ولا بالوعود، بل بإرساء مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة فعليًا، لا نظريًا، حين تُكسر حلقة الإفلات من العقاب، ويُعاد الاعتبار للكفاءة والنزاهة، يمكن للمغرب أن يتصالح مع ذاته، ومع طموح شبابه، ومع جوهر رسالته كدولة العدل والمؤسسات.

إن محاربة الفساد لا تبدأ حين نقول “نحارب المفسدين”، بل حين نعترف بشجاعة أننا جزء من منظومة تحتاج إلى إصلاح جذري وإلا سنبقى ندور في حلقة شعارية عنوانها الدائم: من يحارب من؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى