اخبار منوعة

التفكيك الأخلاقي: سلاح خفي لتفتيت المجتمعات وطمس القيم.

برشيد : ذا عمرو العرباوي/ مدير النشر
في زمن التحولات السريعة والانفتاح الإعلامي الواسع، برزت ظواهر خطيرة تهدد تماسك المجتمعات وقيمها، من أبرزها ما يُعرف بـ”التفكيك الأخلاقي”، هذا المصطلح قد يبدو معقدًا للوهلة الأولى، لكنه في جوهره يعبر عن عملية منظمة أو عشوائية تهدف إلى زعزعة البنية القيمية والأخلاقية للمجتمع، وتدمير ما تراكم عبر أجيال من منظومة مبادئ وأعراف، وصولًا إلى خلق مجتمعات مفككة سلوكيًا، هشّة، يسهل السيطرة عليها وتوجيهها.
ما معنى التفكيك الأخلاقي؟
التفكيك الأخلاقي يعني باختصار هدم منظومة الأخلاق والقيم داخل مجتمع معين، سواء على مستوى الفرد أو الأسرة أو الجماعة، ويتم ذلك من خلال نشر ثقافة الانحلال، وتطبيع السلوكيات المنحرفة، والتقليل من شأن الأعراف والروابط الاجتماعية والدينية التي كانت تشكل سياجًا يحمي المجتمع من التفسخ والانهيار.
إنه نوع من “الهندسة الاجتماعية” الخطيرة، تسعى إلى نزع الثوابت من حياة الأفراد، بحيث يفقدون البوصلة القيمية التي كانت ترشدهم في سلوكهم واختياراتهم.
أهداف هذا السلوك
للتفكيك الأخلاقي أهداف عميقة تتجاوز ما يبدو على السطح، ومنها:
-إضعاف تماسك المجتمع: فالمجتمع القوي هو مجتمع متماسك أخلاقيًا، تربطه قيم مشتركة، حين يتم تفكيك هذه القيم، يصبح الأفراد أكثر أنانية وأكثر استعدادًا لقبول كل ما يُفرض عليهم.
-ضرب الأسرة: باعتبارها الخلية الأولى في بناء المجتمع، فإن ضرب أخلاق الأسرة يعني ضرب أساس المجتمع برمته.
-تمرير أجندات معينة: كثيرًا ما يُستخدم التفكيك الأخلاقي كأداة تمهيدية لتمرير مخططات اقتصادية أو سياسية أو ثقافية تسيطر على المجتمعات المستهدفة.
-خلق نماذج مستهلكة: الأفراد المفككون أخلاقيًا غالبًا ما يجنحون نحو الإدمان على الاستهلاك، لأنهم يفتقدون الضوابط القيمية التي تكبح شهواتهم.
من يقف وراءه؟
ليس بالضرورة أن يكون التفكيك الأخلاقي دائمًا نتيجة مؤامرة منظمة؛ أحيانًا يكون نتيجة عوامل تلقائية مثل الانفتاح الإعلامي غير المنضبط، وضعف التربية، وتراجع دور المدرسة والقدوة الصالحة.
لكن في المقابل، هناك جهات منظمة – سياسية أو اقتصادية أو ثقافية – تدعم هذا النهج عن قصد، مستعملة أدوات كالإعلام الموجه، أو الإنتاجات الفنية الهابطة، أو المحتوى الرقمي المنفلت، لتغذية ثقافة الانحلال وتدمير المنظومة الأخلاقية التقليدية.
كيف نفهم هذه الظاهرة؟
إن التفكيك الأخلاقي ظاهرة متعددة الأبعاد، تتشابك فيها العوامل التربوية، الاقتصادية، السياسية والإعلامية، ولا يمكن إلقاء اللوم على جهة واحدة فقط، لأن انكشاف المجتمعات أمام العولمة الرقمية لعب دورًا كبيرًا، إلى جانب غياب الرقيب الذاتي والوعي الجماعي بخطورة ما يحدث.
مخرجات هذا المقال ، إن أخطر ما في التفكيك الأخلاقي أنه لا يظهر فجأة، بل يتسلل ببطء، مثل السمّ الذي يتغلغل في الجسد دون أن يشعر به صاحبه، حتى يفقد مناعته بالكامل.
لذلك، فإن حماية القيم الأخلاقية اليوم لم تعد ترفًا فكريًا، بل صارت ضرورة وجودية لاستمرار المجتمعات وصمودها أمام موجات التدمير الثقافي والقيمي. وهنا يبرز دور المدرسة، الأسرة، الإعلام المسؤول، والمجتمع المدني في صدّ هذا المدّ الخطير وإعادة بناء حصون الأخلاق، لأنها آخر خطوط الدفاع عن هوية الأوطان وإنسانيتها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى