اخبار منوعة
العاقل من ترك الدنيا قبل ان تتركه :

عمرو العرباوي : مدير النشر
هذه الحكمة تعبر عن رؤية فلسفية للحياة، تدعو الإنسان إلى الترفع عن التعلق المفرط بملذات الدنيا ومادياتها، قبل أن تأتي لحظة لا يستطيع فيها التمتع بها أو الاستفادة منها، إما بسبب الموت أو بسبب تغير الأحوال والظروف.
يمكن تفسير هذه الحكمة على الشكل الآتي:
أولا : معنى “العاقل” في هذا السياق
فالعاقل هو من يدرك حقيقة الحياة الدنيا، ويعلم أنها زائلة لا تدوم لأحد، وهو من يستخدم عقله في اتخاذ قرارات حكيمة تجعله مستعدًا لما بعد الحياة الدنيا.
ثانيا : “ترك الدنيا قبل أن تتركه”
لا يعني التخلي عن الحياة أو الانعزال عنها، بل المقصود هو عدم التعلق الزائد بالماديات والشهوات، يعني أن يدير الإنسان شؤونه بحكمة، ويجعل اهتمامه الأساسي منصبًّا على القيم والأخلاق والعمل الصالح، ويتضمن أيضًا الاستعداد للموت، الذي هو أمر حتمي، عن طريق بناء إرث أخلاقي وإنساني بدلاً من مجرد جمع الأموال والممتلكات.
تحديد أبعاد الحكمة:
أولا : البعد الديني
في الأديان السماوية، الدنيا دار اختبار، والآخرة هي الحياة الحقيقية، فالإنسان الذي يجعل همّه الدنيا فقط سيفاجَأ بالموت وهو غير مستعد، أما العاقل فيعمل للآخرة قبل فوات الأوان.
ثانيا : البعد الفلسفي
فالفلاسفة اعتبروا التعلق بالدنيا نوعًا من الوهم، حيث أن كل شيء فيها مؤقت وزائل،فالحياة الحقيقية تكمن في تحقيق الذات، والتفكير في القيم العميقة بدلًا من الانغماس في الماديات.
ثالثا : البعد النفسي
الإنسان الذي يدرك أن الدنيا فانية يعيش بسلام نفسي، لأنه لا يخشى فقدان الأشياء الزائلة، فالتركيز على الروحانيات والقيم يعطي شعورًا بالرضا الداخلي، بعكس الجشع الذي يورث القلق والتوتر.
رابعا : البعد الاجتماعي
عندما يفهم الإنسان أنه زائر في هذه الدنيا، يصبح أكثر تواضعًا ورحيمًا بالناس، ويسعى لترك أثر إيجابي في المجتمع، بدلًا من مجرد جمع المال أو السعي وراء الشهرة.
مخرجات هذا المقال ، أن هذه الحكمة تدعو إلى العيش بحكمة واتزان، وعدم الانغماس في الدنيا بشكل يجعل الإنسان غافلًا عن الحقيقة الكبرى، أن الحياة قصيرة وزائلة، وأن الإنسان الحكيم هو الذي يعيش حياته بوعي وإدراك لحقيقتها ، فيستمتع بها دون أن يصبح عبدا لها ، ويعمل للآخرة دون أن يهمل الدنيا ، فترك الدنيا قبل أن تتركه لا يعني الزهد المطلق ، بل يعني عدم الانغماس في الماديات إلى درجة تجعل الإنسان غافلا عن مصيره الحقيقي ، فهذه الحكمة ليست دعوة لترك العمل بل دعوة لإعادة ترتيب الأولويات بحيث يعيش الإنسان بسلام داخلي ويترك أثرا إيجابيا قبل أن يرحل .