اخبار منوعة

الحياة تسير وفق ما تيسّر لها فهل نحن عاقلون؟

برشيد : ذا عمرو العرباوي/ مدير النشر .

في زحمة الأيام، ونحن نركض بين مطامحنا ومخاوفنا، نتوه أحيانًا أمام سؤال بسيط في صياغته، عميق في مضمونه: إذا كانت الحياة تسير كما تيسّر لها، فهل نحن حقًا عاقلون؟ أم أننا مجرد ركاب في قطار لا نتحكم في وجهته، وإن توهمنا العكس؟

الحياة، بحكم طبيعتها، لا تسير وفق خططنا المرسومة على الورق، ولا تحترم دائمًا منطق توقعاتنا، هي أشبه بنهر يغيّر مجراه حين تشاء الطبيعة، لا حين يقرر المهندسون، في هذا السياق، يبدو أن دورنا كبشر يقتصر على التأقلم مع مجراها، ومحاولة توجيه مجاديفنا بما يسمح لنا بالبقاء على السطح، بدل الغرق في التيارات الجارفة.

لكن أين يقف العقل في هذا المشهد؟ العقل، كما يعرّفه الفلاسفة، هو ملكة الفهم والتقدير، والقدرة على اتخاذ القرارات المبنية على المعرفة والخبرة، غير أن التجربة الإنسانية تكشف أن العقل، مهما بلغ من نضج، يبقى أحيانًا عاجزًا أمام تقلبات الحياة المفاجئة، نحن قد نحسن التخطيط، لكننا لا نملك ضمان التنفيذ كما نشتهي.

إن السؤال عن عقلانيتنا في عالم تحكمه الصدف والتقلبات هو سؤال عن فلسفة الوجود نفسها، فالعاقل ليس من يصر على إخضاع الحياة لإرادته، بل من يدرك أن جزءًا كبيرًا من مسارها خارج نطاق سيطرته، وأن الحكمة تكمن في المرونة، والقدرة على التكيف، واتخاذ القرارات وفق ما هو متاح لا وفق ما هو مثالي.

المجتمعات التي تستوعب هذه الحقيقة تنشئ أفرادًا أكثر توازنًا، قادرين على العيش بواقعية دون أن يفقدوا طموحهم، كما أما المجتمعات التي تعيش وهم السيطرة المطلقة، فهي تُفرز أجيالًا محبطة تصطدم دائمًا بجدار الواقع.

نستنتج مايلي :ربما نكون عاقلين بقدر ما نستطيع أن نوازن بين ما نريد وما يمكن، بين المثالية الممكنة والحقيقة القائمة، فالعقل ليس في تحدي الحياة حتى الإنهاك، بل في معرفة متى نقاوم ومتى نترك النهر يسير كما يشاء، مع الحفاظ على قدرتنا على السباحة.

هكذا، تصبح العقلانية في مواجهة الحياة فنًّا أكثر منها علمًا، وفهمًا أكثر منها معادلة، والسر، كما يقول الحكماء، ليس أن تجبر الحياة على أن تكون كما تريد، بل أن تتقن العيش معها كما هي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى