اخبار وطنية
حين يتحول الإطار الصحي من ركيزة الإصلاح إلى عائق للتنمية

ذا عمرو العرباوي/ مدير النشر
تُعد المنظومة الصحية العمومية في أي بلد مرآة حقيقية لمدى اهتمام الدولة بمواطنيها، إذ تعكس جودة الخدمات الطبية مستوى العدالة الاجتماعية وضمان الحق في الحياة الكريمة، غير أن الواقع الصحي في بلادنا يطرح أكثر من علامة استفهام، ليس فقط حول ضعف البنيات التحتية أو محدودية الموارد المالية، بل أيضاً حول سلوك بعض الأطر الصحية الذين كان من المفترض أن يكونوا طليعة الإصلاح، فإذا بهم يتحولون ـ في حالات كثيرة ـ إلى عائق أمام نجاح المنظومة.
التخاذل الذي يقتل الأمل
حين يدخل المواطن إلى مرفق عمومي للعلاج، فإن أول ما ينتظره هو التفاني والجدية في أداء الواجب، لكن المؤسف أن مشاهد اللامبالاة تتكرر: تأخر في استقبال المرضى، انشغال غير مبرر عن خدمة المواطن، غياب روح المبادرة، وحتى التعامل الجاف الذي يضاعف من معاناة المريض، هذه الممارسات ليست مجرد أخطاء مهنية عابرة، بل خيانة لأمانة القسم الطبي وأمانة الوطن.
التماس العطاء ورشوة مقنّعة
أخطر ما يواجه المواطن داخل بعض المرافق الصحية هو تلك الممارسات التي تُفرغ الخدمة العمومية من جوهرها: طلب مقابل مباشر أو غير مباشر مقابل خدمة من المفترض أن تكون مجانية، إنها رشوة صريحة حيناً، وابتزاز مقنّع أحياناً أخرى، لكنها في النهاية وجه آخر لغياب الضمير المهني، والنتيجة: فقدان الثقة في المؤسسة العمومية، وهجرة المواطن نحو القطاع الخاص الذي يستنزف قدراته المالية.
الانعكاسات الكارثية على المنظومة
هذا التخاذل والتقاعس ليست مجرد سلوكيات فردية، بل له أثر هيكلي على المنظومة برمتها:
–تراجع ثقة المواطن في المرفق العمومي، وهو ما يضرب أحد أعمدة نجاح أي نظام صحي.
–هدر الموارد، لأن استثمار الدولة في تكوين الأطر وتوفير المعدات يصبح بلا جدوى أمام سوء الاستعمال.
–تفاقم الفوارق الاجتماعية، حيث يجد الفقير نفسه عالقاً بين ضعف الخدمة العمومية وغلاء القطاع الخاص.
بين الواجب والمسؤولية
ليس الهدف من هذا النقد التعميم أو إغفال وجود أطر صحية نزيهة وملتزمة تشتغل في ظروف صعبة وتبذل قصارى جهدها لإنقاذ الأرواح، غير أن وجود حالات سلبية تتكرر وتُطبع المرفق العمومي بطابع اللامسؤولية يجعل من الضروري دق ناقوس الخطر، فالواجب الوطني يقتضي إعادة الاعتبار لقيمة القسم الطبي، وترسيخ ثقافة الواجب والمسؤولية، ومحاسبة كل من يسيء إلى مهنة إنسانية سامية.
مقترح الإصلاحات الممكنة
1.ترسيخ ثقافة المحاسبة: عبر آليات شفافة لتتبع الأداء وربط المسؤولية بالجزاء.
2.إعادة الاعتبار للقَسَم الطبي: من خلال تكوينات دورية في القيم المهنية والأخلاقيات الطبية.
3.تحفيز الأطر الصحية: بتحسين ظروف العمل وتوفير حوافز معنوية ومادية تُعيد الثقة في المرفق العمومي.
4.إشراك المجتمع المدني: باعتباره قوة رقابية ومقترحة للحلول، بما يضمن تقوية جسور الثقة بين المواطن والمؤسسة الصحية.
5.رقمنة الخدمات: لتقليص الاحتكاك المباشر الذي قد يفتح الباب أمام الممارسات غير المشروعة، ولضمان شفافية أكبر.
مخرجات هذالمقال ، إن الأزمة الصحية ليست قدراً محتوماً، بل نتيجة تراكم اختلالات، بعضها مرتبط بالبنية التحتية والتمويل، وبعضها الآخر ـ وربما الأخطر ـ مرتبط بسلوكيات بشرية داخل المنظومة نفسها، فإذا كان الطبيب أو الممرض أو الإداري في المرفق العمومي لا يستحضر أن خدمة المواطن هي خدمة للوطن، فإننا أمام عائق حقيقي لأي إصلاح، ولعل البداية الصحيحة تكمن في ربط المسؤولية بالمحاسبة، وفي إعادة الاعتبار للقيم المهنية التي بدونها سيظل شعار “الصحة حق للجميع” مجرد حبر على ورق.