المسؤولية بين الكفاءة والولاء : عندما تصبح الجدارة بوابة الإصلاح

ذا عمرو العرباوي/ مدير النشر
في عالم تتسارع فيه التحديات وتتعقد فيه قضايا التنمية، يظل سؤال من يتولى المسؤولية؟ سؤالاً مركزياً يحدد مصير المجتمعات، فاختيار الأشخاص لتولي مناصب القرار ليس شأناً إدارياً فحسب، بل هو خيار حضاري يرسم معالم المستقبل، وهنا يبرز مبدأ جوهري: المسؤولية يجب أن تقوم على أساس الكفاءة العلمية والمهنية، لا على الولاء أو المحسوبية.
الكفاءة العلمية والمهنية تعني امتلاك الشخص للمعرفة المتخصصة والخبرة العملية التي تؤهله لاتخاذ قرارات رشيدة، وقيادة المرفق العمومي أو المؤسسة بفعالية، وتحقيق الأهداف المسطرة، هذا المعيار هو ما يضمن حسن التدبير، ويحمي المصلحة العامة من العشوائية والتجريب غير المحسوب.
أما الولاء والمحسوبية، فهما آفتان تنخران في جسد أي مؤسسة أو دولة، إذ يؤديان إلى إقصاء الكفاءات الحقيقية، وفتح الباب أمام أشخاص قد يفتقرون للخبرة، لكنهم يحظون بالقرب أو “الثقة العمياء”، والنتيجة تكون هدر الطاقات، وتكريس الفشل الإداري، وتراجع ثقة المواطن في المؤسسات.
لقد أثبتت التجارب الدولية أن المجتمعات التي تبني اختياراتها على مبدأ الاستحقاق ،تنجح في إحداث نهضة حقيقية، لأنها تضع الرجل المناسب في المكان المناسب، على العكس، فإن المجتمعات التي تسمح بسيطرة منطق القرابة والمحسوبية، تجد نفسها أسيرة التخلف، مهما كانت مواردها الطبيعية أو إمكانياتها المالية.
إن بناء دولة حديثة وعادلة يتطلب ترسيخ هذا المبدأ في مختلف القطاعات: التعليم، الصحة، الإدارة، الاقتصاد، وحتى في السياسة، فالمسؤولية ليست امتيازاً يمنح، بل تكليفاً يرتبط بالقدرة على خدمة الصالح العام، والولاء الحقيقي ليس لشخص أو جماعة، بل للوطن ومؤسساته الدستورية وقيم العدالة والمساواة.
إن مستقبل أي مجتمع لن يُصنع بالأسماء التي تُختار لإرضاء التوازنات أو خدمة المصالح الضيقة، بل بالكفاءات التي تُمنح الفرصة لتبدع وتنتج وتُنجز، وعليه، فإن الانتقال من منطق الولاء إلى منطق الكفاءة ليس مجرد شعار، بل هو رهان إصلاحي حاسم، وشرط أساسي لتحقيق التنمية المستدامة وبناء الثقة بين المواطن والدولة.
مخرحات هذا المقال ،إن المسؤولية، في جوهرها، ليست منصباً للتباهي أو مجالاً لتصفية الحسابات، بل أمانة ثقيلة تستوجب الكفاءة والنزاهة معاً، فحين تُبنى اختياراتنا على أساس الاستحقاق العلمي والمهني، نضمن استمرارية الإصلاح وتكريس العدالة وتحصين المرفق العمومي من العبث، أما إذا تُرك المجال لمنطق الولاءات والمحسوبية، فإن النتيجة الحتمية ستكون الفشل وتعميق الفجوة بين المواطن ومؤسساته، لذلك، يظل الانتقال إلى ثقافة الكفاءة خياراً استراتيجياً لا محيد عنه لبناء مجتمع قوي، عادل، وقادر على مواجهة تحديات الحاضر والمستقبل .