جيل “زد” يكشف هشاشة البيت السياسي المغربي وغياب آليات الحوار الديمقراطي

ذا عمرو العرباوي/مدير النشر .
أفرز الحراك الشبابي الذي تقوده فئة جيل “زد” في المغرب واقعًا سياسيًا غير مسبوق، كشف عن عمق أزمة الثقة والتشردم داخل الأحزاب السياسية، وعن غياب آليات حقيقية للحوار الديمقراطي القادر على استيعاب تطلعات الجيل الجديد الذي يحمل همومًا مغايرة، ويطالب بمغرب العدالة الاجتماعية، وتكافؤ الفرص، والكرامة الإنسانية.
لقد أبرزت مواقف وتصريحات عدد من شباب هذا الجيل، الذين خرجوا إلى الساحات والفضاءات الرقمية للتعبير عن رفضهم للواقع السياسي والاجتماعي، أن الأحزاب المغربية فقدت بوصلتها التمثيلية، وتحولت في نظرهم إلى هياكل فارغة عاجزة عن الإصغاء لصوت الشارع أو التجاوب مع مطالب الشباب، هذا الوضع يعكس أزمة بنيوية داخل التنظيمات الحزبية التي لم تعد تمتلك لغة مشتركة للحوار الداخلي، ولا آليات فعالة للتجديد والتأطير والمساءلة.
في المقابل، يلاحظ أن التشرذم السياسي لم يأتِ من فراغ، بل هو نتيجة سنوات من غياب الديمقراطية الداخلية داخل الأحزاب، حيث تُحسم القرارات داخل دوائر مغلقة، وتُقصى الكفاءات الشابة، وتُهمَّش الأصوات الناقدة، مما خلق فجوة واسعة بين القيادات التقليدية والجيل الجديد، فبينما يعيش الشباب على إيقاع التغيير الرقمي والانفتاح العالمي، ما زالت كثير من الأحزاب تتحرك بمنطق الزعامات الكلاسيكية والولاءات الشخصية، لا بمنطق الكفاءة والبرامج والإبداع السياسي.
جيل “زد” اليوم لا يبحث عن شعارات براقة أو خطابات عاطفية، بل يطالب بـ نموذج جديد للسياسة يقوم على الشفافية، والمسؤولية، وربط القرار بالمحاسبة، وفتح قنوات حقيقية للنقاش الديمقراطي داخل المؤسسات الحزبية، فالشباب الذين ولدوا في زمن الثورة الرقمية، لم يعودوا يقبلون بسياسة الأبواب المغلقة، ولا بخطاب الخوف أو الوصاية، بل يريدون أن يكونوا شركاء في صنع القرار الوطني.
إن مأزق الأحزاب السياسية اليوم لا يكمن فقط في ضعفها التنظيمي أو تراجع شعبيتها، بل في عجزها عن قراءة التحولات المجتمعية العميقة التي يعيشها المغرب، وعن فهم طبيعة الجيل الجديد الذي لا يرى نفسه في قوالب حزبية تقليدية، وهذا العجز قد يُهدد مستقبلاً التوازن السياسي، ما لم يتم فتح ورش إصلاح سياسي حقيقي يعيد الثقة في العمل الحزبي ويجعل الشباب محوراً رئيسياً في صناعة السياسات العمومية.
مخرجات هذا المقال ، فإن حركة جيل “زد” ليست مجرد موجة احتجاجية عابرة، بل جرس إنذار قوي يدقّ في وجه كل من أراد أن يستمر في إدارة الشأن السياسي بعقلية الماضي، إنها دعوة لإعادة بناء السياسة على أسس جديدة: المشاركة بدل الإقصاء، والحوار بدل التوجيه، والمواطنة الفاعلة بدل الزبونية والمصالح الضيقة، فالمغرب اليوم أمام لحظة تاريخية تستدعي الشجاعة السياسية قبل كل شيء، لأن جيل “زد” لم يعد ينتظر أحدًا ليمنحه صوته… بل يريد أن يسمع صوته بوضوح.
				


