اخبار جهوية

زلزال سياسي في برشيد: بين مشروعية القرار العاملي وحكمة الانتظار القضائي

ذا عمرو العرباوي / مدير النشر

لم يكن قرار عامل إقليم برشيد السيد جمال خلوق القاضي بعزل رئيس المجلس البلدي لجماعة برشيد وأربعة من نوابه وثلاثة مستشارين وتبليغه اليهم بتاريخ 2025/10/15 قرارا عاديا في المشهد المحلي، بل شكّل حدثا وُصف من قبل عدد من وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي بـ“الزلزال السياسي”، نظرا لوقعه القوي على المشهد الجماعي والسياسي بالمنطقة، ولأنه يفتح من جديد النقاش حول تدبير الشأن المحلي، وربط المسؤولية بالمحاسبة، ومكانة القضاء الإداري في حماية المشروعية واحترام القانون.

فالقرار العاملي أحدث انقساما واضحا في المواقف السياسية والمدنية؛ فبينما اعتبرت بعض القوى السياسية أن القرار يحمل في طياته جرأة ومسؤولية في مواجهة مظاهر الخلل والاختلال التي رصدتها مفتشية وزارة الداخلية، ورحبت به باعتباره انتصارا لقيم الشفافية وتخليق الحياة العامة، عبرت أطراف أخرى عن امتعاضها، معتبرة أن القرار اتُّخذ في ظرفية سياسية حساسة وقد يفتح الباب أمام تأويلات مرتبطة بالتجاذبات الانتخابية أو الحسابات المحلية الضيقة.

لكن، بعيدا عن هذه القراءات المتباينة، يبقى المبدأ الدستوري والقانوني واضحا: القضاء وحده هو الجهة المخول لها الحسم في صحة الأفعال المنسوبة إلى المنتخبين المعزولين، وتحديد ما إذا كانت تشكل خروقات تبرر العزل أم مجرد سوء تقدير أو أخطاء إدارية قابلة للإصلاح.

من منظور أخلاقي ومهني، فإن القاعدة الاساسية في العمل الصحفي تقتضي التحفظ في التعليق أو التحليل عندما يكون الموضوع بيد القضاء، خاصة في القضايا التي تتعلق بالمسؤولية السياسية أو التدبير العمومي، فاحترام استقلالية القضاء وعدم التأثير على مجريات التحقيق أو الحكم من أساسيات الصحافة المسؤولة التي تلتزم بميثاق أخلاقي يقوم على التوازن، والموضوعية، والابتعاد عن الأحكام المسبقة.

ولذلك، فإن التعامل مع هذا القرار يجب أن يتم في إطار من التحليل الهادئ والرصين، مع فسح المجال أمام العدالة لتقول كلمتها النهائية، فالحقيقة القانونية لا تُبنى على الانطباعات أو التسريبات، بل على الأدلة والقرائن التي يقدّرها القاضي الإداري وحده.

مهما تكن نتيجة المسار القضائي، فإن هذه القضية تسلط الضوء على حساسية المرحلة التي تعيشها الحكامة المحلية بالمغرب، وعلى الحاجة الماسة إلى ترسيخ مبادئ الشفافية والنجاعة والمسؤولية في تدبير الشأن الجماعي، كما تبرز أهمية تفعيل دور الرقابة والمساءلة، ليس فقط من طرف السلطات الوصية، ولكن أيضا من طرف المواطنين والمجتمع المدني ووسائل الإعلام، في إطار احترام القانون والمؤسسات.

إن ما جرى في برشيد يعكس بوضوح أن الدولة ماضية في نهج ربط المسؤولية بالمحاسبة، وأن زمن التساهل مع التجاوزات أو سوء التدبير قد ولّى، وهو ما يعزز الثقة في المؤسسات ويكرس دولة الحق والقانون التي يسعى المغرب إلى بنائها بثبات.

مخرجات هذا المقال ، أنه يبقى قرار العزل العاملي، رغم حساسيته السياسية، خطوة مؤسساتية تحكمها ضوابط قانونية واضحة، ويمثل في الوقت نفسه اختبارا حقيقيا للنضج الديمقراطي المحلي، لكن يبقى التعليق النهائي رهينا بصدور حكم القضاء الإداري الذي سيحدد المشروعية القانونية للقرار، ويضع النقاط على الحروف في هذه القضية التي استأثرت باهتمام الرأي العام المحلي والوطني.

وفي انتظار كلمة القضاء، يظل من واجب الإعلام التحلي بالحكمة والاتزان، وأن يكون سنده الدائم هو الحق، والموضوعية، وخدمة الصالح العام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى