اخبار منوعة

الأصل في الإنسان الانفلات من الضوابط :

ذا عمرو العرباوي/ مدير النشر
الأصل أن المجتمعات الحديثة ترتكز على منظومة من الضوابط القانونية والأخلاقية والسياسية، تُنظّم العلاقات وتُحدّد الحقوق والواجبات، وتضمن سير الحياة العامة على نحو متوازن، غير أنّ الإنسان، بطبيعته، يميل إلى التحرّر من كل ما يقيّده أو يحدّ من رغباته وفقا للقاعدة التي تقول “كل ممنوع مرغوب فيه “وهو ميل فطري لا يمكن إنكاره، لكنّ هذا الميل ذاته يتحوّل—حين يغيب الوعي والانضباط—إلى انفلات يشمل السلوك الاجتماعي والنقاش السياسي والالتزام بالقانون، فيخلق تشوهات عميقة في بنية المجتمع ويعرقل مسار التنمية.
عندما يصبح التحرّر فوضى اجتماعية، تبدأ الظاهرة من المستوى الاجتماعي، حيث يتعامل كثيرون مع الضوابط باعتبارها قيوداً تعرقل “الحرية الشخصية”، فيتمّ تجاوز القوانين البسيطة:
– خرق قواعد السير،
– الاعتداء اللفظي في الفضاءات العامة،
– محاولات الحصول على الامتيازات بالمحسوبية أو الغش،
– الاستهانة بالقواعد المهنية أو الأخلاقية.
هذه السلوكيات لا تعكس فقط ضعف احترام الضوابط، بل تكشف ثقافة اجتماعية ترى في الالتزام نوعاً من الضعف، وفي الانفلات نوعاً من الذكاء والدهاء، والنتيجة هي مجتمع تتراجع فيه الثقة بين الأفراد، وتتآكل فيه القيم المشتركة، ويصبح العيش المشترك رهين “ذكاء” المتجاوزين للقانون بدل قوة المؤسسات.
الانفلات السياسي حين يتحول النقاش العام إلى معركة صراخ، مثلا في المجال السياسي، يأخذ الانفلات شكلاً أكثر خطورة، إذ تتقلّص مساحة النقاش الرصين لصالح الخطابات الشعبوية، وتُستبدل الضوابط الأخلاقية والمهنية بالهجمات الشخصية، وبيع الوهم، واستعمال الوطنية كسلاح للتخوين أو المزايدة.
هنا يصبح الانفلات من الضوابط السياسية سبباً مباشراً في:
– تمييع النقاش العمومي،
– تراجع الثقة في المؤسسات،
– تضليل الرأي العام،
– وتعطيل الإصلاحات الكبرى التي تحتاج إلى لغة عقلانية لا إلى صراخ.
فالخطاب السياسي المفروض أن يوجّه الرأي العام، يتحول—عندما تنعدم الضوابط—إلى مصدر للارتباك والانقسام.
القانون أكبر ضحايا الانفلات، حين يعتاد المجتمع على تجاوز الضوابط، يصبح القانون مجرد “احتمال” لا “إلزام”.
ويظهر ذلك في شكلين:
1-تساهل بعض المواطنين مع خرق القانون باعتباره أمراً عادياً.
2-صمت المؤسسات أمام السلوكيات التي يجب أن تُواجَه بالحزم.
وحين يفقد القانون هيبته، تتراجع العدالة، وتتقوى اللا مساواة، ويصبح كل فرد يبحث عن طريق مختصر لتجاوز النظام بدل احترامه.
لماذا يحدث هذا الانفلات؟
فالجواب متعدد، ويمكن تلخيصه في الآتي:
-غياب الوعي الجماعي بأهمية الضوابط في حماية الحقوق قبل الواجبات.
-ضعف التربية المدنية داخل المدرسة والأسرة.
-خطاب سياسي غير منضبط يشجّع على الفوضى بدل الالتزام.
-إحساس جزء من المجتمع بأن القانون لا يُطبّق على الجميع بالتساوي.
-ثقافة اجتماعية تمجّد “الفهَّامة” أكثر مما تمجّد احترام النظام.
عادةً، لا يخترق الناس القانون لأنهم أشرار، بل لأنهم يعتقدون أن الانضباط لا يعود عليهم بأي فائدة.
الضوابط ليست قيوداً بل شروط حياة، لا يمكن لأي مجتمع أن يتطور أو لأي دولة أن تزدهر ما لم تُحترم قواعدها المنظمة. فالضوابط القانونية والأخلاقية والسياسية ليست جدراناً تحاصر الإنسان، بل أرضية صلبة تسمح له بأن يعيش بحرية حقيقية لا فوضى متوحشة.
فالتحرّر قيمة نبيلة، لكن الحرية من دون ضوابط تتحول إلى اعتداء على حرية الآخرين.
والانفلات من المسؤولية لا يبني مجتمعاً، بل يهدم الثقة ويزرع الفوضى ويعطّل التنمية.
مخرجات هذا المقال، أن الأصل في الإنسان أن يسعى إلى الحرية، لكن الأصل في المجتمع أن يحمي نفسه بالضوابط.
وحين ينهار التوازن بين الاثنين، تتحول الحرية إلى فوضى، ويصبح الانفلات
ظاهرة تهدد الاستقرار الاجتماعي والنقاش السياسي، وتضعف القانون، وتشوّه صورة الدولة.
ولذلك، فإن الانتقال من “الانفلات” إلى “الانضباط الواعي” ليس خياراً أخلاقياً فقط، بل ضرورة استراتيجية لضمان مستقبل أكثر استقراراً وكرامة للجميع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى