وجهة نظر : أزمة التدبير المحلي ببرشيد بعد قرار العزل ،مجلس جديد بهياكل قديمة وإكراهات متجددة

ذا عمرو العرباوي/ مدير النشر
عرفت مدينة برشيد منعطفاً حاسماً بعد صدور الحكم القاضي بعزل رئيس المجلس الجماعي ونوابه وثلاثة مستشارين، بناءً على القرار العاملي لإقليم برشيد، وقد فتح هذا التطور الباب أمام دعوة رسمية لتجديد هياكل المجلس، قصد ضمان استمرارية المرفق الجماعي وتدبير الشأن المحلي على المستويين الإداري والتنموي.
ورغم أن هذا الإجراء القانوني يُفترض أن يعيد ترتيب البيت الداخلي للمجلس ويمهّد لمرحلة جديدة من الحكامة، إلا أن قراءة موضوعية للمعطيات السياسية والتنظيمية تكشف أن المجلس المقبل مرشح ليجد نفسه أمام تحديات كبيرة قد تحول دون تحقيق نتائج إيجابية أو ترك بصمة سياسية واضحة، وذلك لعدة اعتبارات جوهرية.
1-محدودية الكفاءات وضعف الخبرة السياسية:
يعاني جزء كبير من مكونات المجلس من ضعف على مستوى التكوين العلمي والقدرات التدبيرية والخبرة السياسية، باستثناء عدد محدود من الأعضاء الذين يمتلكون مستوى عالي من الكفاءة العلمية ، هذا النقص ينعكس مباشرة على جودة اتخاذ القرار، وعلى القدرة على تنزيل مشاريع تنموية ذات جدوى اقتصادية واجتماعية، خصوصاً في مرحلة دقيقة تتطلب إشرافاً دقيقاً وتوجيهاً رشيداً للمرفق العمومي.
2-هيمنة ثقافة “المعارضة من أجل المعارضة”:
تسود داخل المجلس ثقافة سياسية غير بناءة، أساسها ممارسة المعارضة لذاتها وليس بهدف التصحيح أو المراقبة أو تقديم بدائل واقعية، هذا السلوك السياسي يخلق جواً من الشد والجذب داخل المؤسسة المنتخبة، ويزيد من منسوب التوتر ويضعف إمكانية التوافق حول الملفات الكبرى، مما يُفرغ العمل الجماعي من نجاعته ويجعل الاختلافات الحزبية تتحول إلى عرقلة منهجية.
3-تضارب المصالح وغياب انسجام المواقف:
تشهد تركيبة المجلس تضارباً في المصالح وتبايناً في المواقف بدون مبررات واضحة، مما يجعل المجلس عاجزاً عن بلورة رؤية موحدة، هذا الوضع يُفقد العمل الجماعي روحه الأساسية ويحول النقاش المحلي إلى ساحة للمساومات السياسية الضيقة بدلاً من أن يكون فضاءً لإنتاج حلول واقعية تخدم الساكنة.
4- مجلس تصريف أعمال في ظرف زمني محدود:
أمام هذه المعطيات، يبدو أن المجلس المقبل سيكون في موقف حرج، خصوصاً أن المدة المتبقية من الولاية الانتدابية لا تتجاوز سنة ونصف تقريبا ، وهي مدة قصيرة جداً لإنجاز مشاريع تنموية كبرى تستحق الإشادة، أو لاعتماد برنامج عمل يتماشى مع حجم انتظارات سكان برشيد الذين يتطلعون إلى حلول عملية وملموسة في مجالات الخدمات الأساسية والبنية التحتية والتدبير الجيد للمرفق العمومي.
فالمجلس الجديد، مهما كانت نواياه أو محاولاته، سيجد نفسه مضطراً إلى لعب دور مجلس تصريف الأعمال أكثر من كونه مجلساً مبادراً وقادراً على إحداث قفزة نوعية في التنمية المحلية، وذلك بالنظر إلى الوقت المحدود، والانقسام السياسي الداخلي، والضعف التدبيري البنيوي.
مخرجات هذا المقال ، قرار العزل قد يفتح صفحة جديدة في تاريخ التدبير المحلي ببرشيد، لكنه وحده غير كافٍ لإعادة بناء مجلس منسجم وفعّال ومؤهل لإطلاق مشاريع تنموية حقيقية، فالطريق نحو حكامة محلية ناجحة يحتاج إلى كفاءات قوية ورؤية مشتركة، وإلى تخلص المجلس من الصراعات السياسية الضيقة التي أضرت بسمعته وأعاقت نمو المدينة لسنوات.
بدون تجديد فعلي للذهنيات قبل الهياكل، سيظل المجلس الجديد محكوماً بنفس القيود، وسيبقى الانتظار سيد الموقف لدى ساكنة برشيد التي يحق لها أن تطمح إلى مؤسسات منتخبة بمستوى تطلعاتها.



