الفقر والبطالة والتفكك الاجتماعي حين يعكس التخلف السياسي أزمة التنمية البشرية في المغرب

برشيد : ذا عمرو العرباوي/ مدير النشر
في المغرب، لا يمكن فصل الفقر والبطالة والتفكك الاجتماعي عن البنية السياسية التي تؤطر حياة المواطنين وتحدد مسارات التنمية، فهذه المعضلات ليست مجرد تحديات اجتماعية أو اقتصادية عابرة، بل هي نتيجة مباشرة لتراكمات سياسية عمرها عقود، حيث ظل الإصلاح الشامل مؤجلاً، وظلت الأولويات تتأرجح بين منطق التدبير اليومي وغياب الرؤية الاستراتيجية بعيدة المدى.
الفقر في المغرب لا يعني فقط تدني الدخل أو غياب فرص العمل، بل يمتد ليشمل ضعف الوصول إلى التعليم الجيد، وتردي الخدمات الصحية، وغياب العدالة في توزيع الثروات بين الجهات ، والبطالة، خصوصاً في صفوف الشباب وحاملي الشهادات، تعكس خللاً في السياسات العمومية، حيث تظل السوق عاجزة عن استيعاب الطاقات المؤهلة، في ظل اقتصاد يعاني من ضعف التنويع وقلة الاستثمار المنتج، أما التفكك الاجتماعي، فيتجلى في تآكل الروابط المجتمعية، وتراجع الثقة بين المواطنين والمؤسسات، وهي نتيجة طبيعية لتكرار الخيبات وغياب الأمل في التغيير.
جوهر هذه المعضلات يرتبط بالتخلف السياسي، حيث إن ضعف آليات المساءلة والشفافية، وسيادة منطق الولاءات السياسية والمصالح الضيقة على حساب الكفاءات، يحول دون وضع سياسات تنموية فعالة ومستدامة، كما أن البطء في تنزيل الإصلاحات الكبرى، وتغليب المقاربة الأمنية أو التقنية على المقاربة التشاركية، يفرغ البرامج التنموية من مضمونها الإنساني ويجعلها أقرب إلى المبادرات الظرفية.
إن العلاقة بين تعثر التنمية البشرية والتخلف السياسي في المغرب هي علاقة تبادلية، حيث يؤدي ضعف الحكامة السياسية إلى إنتاج بيئة طاردة للاستثمار وفرص العمل، ما يفاقم الفقر ويعمق الإقصاء الاجتماعي، وفي المقابل، فإن استمرار الهشاشة الاقتصادية والاجتماعية يوفر بيئة خصبة لإعادة إنتاج نفس النخب والسياسات، مما يغلق دائرة التغيير.
فكسر هذه الحلقة المفرغة يتطلب إرادة سياسية واضحة للانتقال من التدبير الإداري للمشكلات إلى الإصلاح العميق للبنية السياسية، عبر تعزيز الشفافية وربط المسؤولية بالمحاسبة، وتوسيع فضاءات المشاركة الشعبية، وتبني سياسات عمومية تنطلق من حاجات المواطنين الفعلية. فالتنمية البشرية في المغرب لن تتحقق فقط بمشاريع بنية تحتية أو أرقام اقتصادية، بل بإعادة الاعتبار للإنسان كمحور وغاية لأي مشروع وطني.
مخرجات هذا المقال ، فرغم أهمية برامج مثل “المبادرة الوطنية للتنمية البشرية” في المغرب، وما حققته من مشاريع لتحسين البنيات التحتية المحلية، ودعم الأنشطة المدرة للدخل، فإن أثرها ظل محدوداً أمام حجم الفقر والبطالة والتفاوتات المجالية، السبب لا يكمن فقط في طبيعة المشاريع، بل في غياب إصلاح سياسي مواكب يضمن بيئة مؤسساتية شفافة، ويعزز التنسيق بين السياسات العمومية، ويربط التمويل بالنتائج والمحاسبة.
فالمبادرة، مهما كانت مواردها، تبقى عاجزة عن إحداث تحول بنيوي إذا لم تتغير قواعد اللعبة السياسية التي تنتج السياسات، وتُحسن توجيه الموارد، وتمنح المواطن دوراً محورياً في تحديد أولويات التنمية ومراقبة تنفيذها، بهذه المقاربة فقط، يمكن تحويل المبادرات التنموية من مسكنات ظرفية إلى رافعة حقيقية لتجاوز الفقر والتهميش.