اخبار منوعة

لا تنسب لنفسك إنجازاً… فربما كان لغيرك الفضل عند الله

ذا عمرو العرباوي/ مدير النشر.

في عالم يطغى عليه التنافس وتسود فيه نزعة الاستعراض والظهور، تكثر مظاهر نسب الإنجازات إلى الذات وتضخيم الأدوار الفردية، وكأن العمل الجماعي والتكامل الإنساني لم يكن لهما وجود، عبارة “لا تنسب لنفسك إنجازاً، عسى أن سابقك ولاحك أكثر إنجازاً منك، لكن حسبه وأجره على الله”، تضعنا أمام مشهد قيمي وأخلاقي عميق يتطلب التأمل والتحليل، خصوصاً في زمن تُباع فيه الأضواء وتُشترى فيه السمعة بمقاييس زائفة.

أولاً: الفهم العميق للعبارة: هذه العبارة تنطوي على دعوة خفية للتواضع، والتجرد من الأنانية الذاتية، كما تحمل في طياتها تحذيراً من التسرع في نسبة الفضل للنفس، دون وعي بمسارات سابقة ومرافقة أسهمت بشكل غير مباشر أو غير معلن في تحقيق الإنجاز، فقد يكون هناك من مهد لك الطريق، أو من زرع الفكرة، أو من اجتهد في صمت، فكان له عند الله أجر لا يعلمه إلا هو.

ثانياً: الخلفية الأخلاقية والدينية: في منظومتنا الإسلامية، تحث النصوص على تجنب الرياء والتفاخر، وتؤكد أن الأجر الحقيقي هو ما احتسبه العبد لله، لا ما ناله من تصفيق الجماهير أو شهادات التقدير. وقد جاء في الحديث الشريف: “إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى”. هذا يعني أن من يعمل في الخفاء، بإخلاص وتجرد، قد يكون أعظم أجراً عند الله من صاحب الإنجاز الظاهر.

ثالثاً: الإنصاف في رؤية الإنجاز: ليس من العدل أن يُنسب النجاح دائماً لمن كان في الواجهة، فالمسيرة غالباً ما تكون جماعية، يشارك فيها جنود خفيون لم يُسلط عليهم الضوء، ولم تُذكر أسماؤهم في التقارير أو المقالات، الإنصاف يقتضي الاعتراف بأدوار الجميع، والاحتفاء بمن ساهموا في البناء ولو بحجر.

رابعاً: خطر الغرور والاغترار بالذات: حين ينسب المرء الفضل لنفسه على الدوام، ينزلق تدريجياً نحو الغرور، ويُصيب نظره عمىً عن إنجازات غيره، بل وربما يحبط من حوله ويقلل من شأن مساهماتهم. وهذا السلوك لا يضر فقط بالآخرين، بل يفسد نفس صاحبه، فيغفل عن أن النجاح الحقيقي هو توفيق من الله، وأن الإنسان لا يملك من أمره شيئاً.

خامساً: دعوة للتجرد وخدمة الصالح العام :العبارة موضوع المقال ليست فقط توجيهاً أخلاقياً، بل نداءً لتغيير العقليات والسلوكيات، نحو عمل جماعي مبني على التجرد والإخلاص، فالأمم لا تنهض بالأبطال الفرديين الذين يبحثون عن المجد الشخصي، بل تنهض بمن يزرعون الخير بصمت، ويبنون وهم لا ينتظرون التصفيق.

مخرجات هذا المقال، إن نسبة الإنجاز للنفس دون تقدير لمساهمة الآخرين خطأ قيمي وسلوكي، يبتعد عن روح التواضع والاعتراف الجماعي، فكم من شخص خفيٍّ أخلص العمل، فباركه الله، وكم من متصدرٍ نسب النجاح لنفسه، فكان حظه ضئيلاً في ميزان السماء ذي، لذلك، فلنجعل شعارنا في كل عمل: “اللهم اجعلنا من الذين يعملون لا من الذين يدّعون، ومن الذين و يُحتسب أجرهم عندك لا عند الناس.”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى