ركبنا قطار الحياة وستبقى الذكريات

ذا عمرو العرباوي/ مدير النشر
في رحلة الحياة، لا نملك تذكرة عودة، ولا محطة نختار التوقف عندها طوعًا، هي أشبه بقطار ينطلق بنا من لحظة الولادة، ويواصل سيره بثبات نحو المجهول، محملًا بالأحلام، بالآمال، بالألم، والخوف، والحب، والخذلان. نركب القطار ونحن لا نعلم من سيرافقنا طوال الطريق، ومن سينزل قبلنا، ومن سيصعد فجأة ليغير ملامح الرحلة بأكملها.
القول “ركبنا قطار الحياة وستبقى الذكريات” يحمل دلالات فلسفية عميقة تتجاوز ظاهرها البسيط، إنها دعوة لتأمل الحياة لا كمجموعة من الأحداث المتقطعة، بل كمسار مستمر لا رجعة فيه، في هذا القطار، هناك محطات نقف عندها قليلًا، ونتأمل من النافذة وجوهًا نعرفها وأخرى نودّ لو نسيناها. هناك لحظات فرح خاطفة، ولحظات حزن طويلة، لكن ما يبقى في النهاية، هو الأثر، والذكرى، والصورة التي نحملها معنا ونحن نقترب من نهاية السكة.
في غمرة اللهاث وراء المستقبل، ننسى أن الحياة تُصنع في التفاصيل الصغيرة: في نظرة وداع، في عناق لم يتكرر، في حديث عابر بصوت أمّ، في صمت أبٍ قبل مغادرته الأبدية، في رائحة بيت الطفولة أو مقعد الدراسة الأول. جميعها تتحول إلى ذكريات، لا نستطيع استعادتها جسديًا، لكننا نحتمي بها في مواجهة برودة الواقع وتغيراته.
الذكريات ليست ترفًا عاطفيًا، بل هي ذاكرة القلب، ومصدر من مصادر التوازن النفسي والوجداني، إنها تثبت أننا عشنا، تألمنا، وتعلمنا، وأننا لم نكن مجرد أرقام على متن القطار، بل كنا بشرًا لهم قصص، ومعاناة، وحب، وخسارات.
القطار لا يتوقف… لكن الوعي بالرحلة مهم : ليس المهم أن يتوقف القطار لنراجع أنفسنا، بل أن نستطيع التأمل ونحن في خضم الرحلة. أن نعي من نحن، وماذا نريد، ومن معنا، ومن غاب. أن نحصي بركات الحياة كما نحصي أوجاعها، أن نتعلم أن نُصافح من رافقونا في مقطع من الطريق بكل امتنان، ونعذر من نزلوا في محطة سابقة.
في زمن السرعة والنسيان، حيث يركض الجميع نحو “النهاية” وكأنها مضمونة، تأتي الذكريات كمضاد حيوي ضد القسوة، كوثيقة تؤكد أننا لسنا مجرد عابرين في زمن مستعار، بل أننا كنا يومًا، أحياءً بكل ما في الكلمة من معنى.
مخرحات هذا المقال ، أن تركب قطار الحياة يعني أن تؤمن بالتحول المستمر، وأن تدرك أن لا شيء يدوم سوى الذكرى الصادقة التي خلفتها في قلوب من عرفتهم، كل لحظة نعيشها اليوم، ستكون غدًا “تفصيلًا” في قصة تُروى، إما بكثير من الحنين أو بكثير من الندم، فاختر كيف تريد أن تُذكر.
ربما لا يمكننا التحكم في وجهة القطار، لكننا نملك دائمًا القدرة على جعل الرحلة أجمل، وأكثر عمقًا، وجدوى، إن نحن أدركنا أن كل لحظة تمرّ، هي استثمار في ذاكرة الحياة.