“حين لا يكون القضاء هو المشكلة: أزمة المواطن في التماس العدالة”

برشيد : ذا عمرو العرباوي/ مدير النشر .
في خضم النقاشات المتواصلة حول العدالة ودولة القانون، يبرز قول عميق المعنى: “مشكلتنا ليست في وجود قضاء نزيه، ولكن في وجود مواطن يلتمس العدالة.” هذه العبارة، رغم بساطتها الظاهرة، تكشف عن إشكالية بنيوية تمس جوهر العلاقة بين المواطن ومؤسسات العدالة، وتشير إلى أن أزمة المنظومة القضائية ليست دائماً تقنية أو بنيوية، بل في أحيان كثيرة هي أزمة وعي وثقافة ومواطنة.
العدالة ليست سلعة جاهزة بل ممارسة اجتماعية ، عندما نقول إن القضاء نزيه، فنحن نعترف بوجود بنية قانونية ومؤسسات قضائية تحاول، نظرياً على الأقل، أن تحترم مبدأ سيادة القانون وتضمن الحقوق، غير أن العدالة لا تتحقق بمجرد وجود هذه المؤسسات، بل تتحقق عندما يؤمن المواطن بقيمتها، ويمارس حقه في التماسها، ويثق في مساطرها، وينخرط في الدفاع عنها.
هنا نكتشف التناقض الخطير: قضاء يسير نحو الشفافية، في مقابل مواطن يغيب عن الفعل القانوني، أو يلجأ إلى وسائل بديلة ، كافتعال الخصومة ، أو الرشوة، أو التوسل، أو الهروب من المواجهة القانونية.
من يطلب العدالة؟ إن المشكل لا يكمن فقط في أداء القضاء، بل في “ثقافة العدالة” لدى المواطن، كم من الناس يتجنبون اللجوء إلى المحاكم خوفاً من التعقيدات أو ضياع الوقت؟ وكم منهم يفضلون “التسوية” أو “الوساطة” غير القانونية بدلاً من رفع دعوى قضائية؟ وكم من مظلوم يصمت لأنه لا يثق في أن القانون سينصفه أو لا يملك الوسائل القانونية للمطالبة بحقوقه؟
هذا يعكس ضعف الوعي القانوني، وانتشار شعور عام باللاجدوى، وغياب التربية الحقوقية التي يفترض أن تُبنى منذ المدرسة، مروراً بالأسرة، والإعلام، والمجتمع المدني.
المواطنة كشرط لتحقيق العدالة ، العدالة ليست مجرد أداة، بل منظومة أخلاقية وقانونية تتطلب مواطناً فاعلاً، واعياً، شجاعاً، ومؤمناً بالمؤسسات، فكما أن القاضي مسؤول عن إصدار حكم عادل، فإن المواطن مسؤول عن المطالبة بهذا الحكم، وتوفير المعطيات، والدفاع عن قضيته، ومواجهة الظلم بكل السبل القانونية.
غياب هذا “المواطن المنخرط” يجعل من أي جهاز قضائي، مهما بلغت نزاهته، هيكلاً محدود الأثر، فالأحكام العادلة تحتاج إلى من يطلبها ويؤمن بها.
الإصلاح يبدأ من القاعدة ، لقد ركزت الإصلاحات القضائية في السنوات الأخيرة على الرقمنة، والتحديث، والشفافية، وهذا مسار مهم، لكن هذه الإصلاحات لن تكتمل ما لم تُرافق بإصلاح ثقافي وتربوي يعيد الثقة بين المواطن والقضاء.
كم نحتاج إلى إعلام قانوني، ومناهج دراسية تزرع قيم العدالة، ومجتمع مدني يعمل على تمكين المواطنين قانونياً.
مخرجات هذا المقال ، العدالة تبدأ منك ، حين نردد أن العدالة غائبة، يجب أن نسأل أنفسنا: هل قمنا فعلاً بطلبها؟ هل آمنا بها كحق وواجب؟ فالقضاء لا يُمارس في الفراغ، بل في سياق اجتماعي يتطلب طرفين: قاضٍ عادل ومواطن متشبث بالعدالة.
وبينما تعمل الدولة على ضمان استقلال القضاء ونزاهته، يظل الدور الأساسي للمواطن، فهو من يطلب العدالة، ويحميها، ويجعلها جزءاً من هويته وممارسته اليومية.
إن العدالة لا تتحقق فقط بوجود قاضٍ نزيه، بل بمواطن يطالب بحقه، ويؤمن بقوة القانون.