الوسيط السياسي المغربي بين الوعود الانتخابية وفك العزلة عن المستضعفين.

برشيد : ذا عمرو العرباوي/ مدير النشر .
في مغرب اليوم، حيث تتعالى نداءات التنمية الاجتماعية والعدالة المجالية، يطفو على السطح سؤال ملح: هل نجح الوسيط السياسي المغربي في فك العزلة عن الفئات المستضعفة؟ سؤال يحمل في طياته تقييماً لأداء النخب السياسية، ويضع تحت المجهر علاقتها بالهامش، وبمن يعانون من التهميش الاقتصادي والاجتماعي والجغرافي.
يُقصد بالوسيط السياسي كل منتخب أو فاعل حزبي أو جماعي يمثل المواطن في المؤسسات المنتخبة، ويحمل همومه إلى مراكز القرار، غير أن التجربة الديمقراطية المغربية، رغم تراكماتها الإيجابية، لم تنجح بعد في تكريس نموذج ناجع للوساطة السياسية الفاعلة، فكثير من السياسيين – خاصة على المستوى المحلي – يتعاملون مع المسؤولية كدور ظرفي مرتبط بموسم الانتخابات، لا كرسالة مستمرة لخدمة المواطن.
هذا الواقع أفرز ضعفًا في الفعالية، وابتعادًا عن قضايا الفئات الهشة التي تبقى رهينة الإقصاء الجغرافي والحرمان من أبسط الخدمات: من تعليم جيد، إلى خدمات صحية، إلى البنية التحتية الأساسية .
تعاني مناطق كثيرة من المغرب العميق من غياب فعلي للوساطة السياسية الجادة، خاصة في العالم القروي والجبلي، إذ نجد أن العديد من المنتخبين لا يعودون إلى هذه المناطق إلا خلال الحملات الانتخابية، دون أن يحملوا معهم حلولاً حقيقية أو ترافعًا مؤثرًا أمام السلطات والمؤسسات الحكومية.
الوسيط السياسي المغربي، في جزء كبير منه، لا يمارس بعد دور “الناطق باسم المستضعفين”، ولا يقوم بوظيفة الضغط من داخل المؤسسات من أجل انتزاع حقوق من هم في أمس الحاجة إليها، بل غالبًا ما ينخرط في منطق المساومات أو التواطؤ مع واقع التهميش، خوفًا على مصالحه السياسية أو الحزبية.
لا يمكن إنكار أن هناك استثناءات مشرقة، لسياسيين أثبتوا أن الوساطة يمكن أن تكون أداة لفك العزلة فعلاً، من خلال تدخلاتهم الجادة في البرلمان، أو مساهماتهم في المشاريع التنموية محليًا، لكن هذه النماذج تظل قليلة ومحدودة ومعزولة، ولا تعكس توجهًا عامًا، مما يزيد من فقدان الثقة في الطبقة السياسية لدى الفئات المهمشة.
إذا كانت الدولة المغربية تبذل جهودًا كبيرة في بلورة نموذج تنموي جديد، فإن نجاحه يبقى رهينًا بوجود وسطاء سياسيين فاعلين، قادرين على ترجمة نبض المواطن إلى قرارات، وعلى الترافع الحقيقي من أجل محاربة التفاوتات المجالية والاجتماعية.
فلا تنمية بدون عدالة، ولا عدالة بدون وسطاء نزهاء وملتزمين، يفهمون معنى “التمثيل”، ويتحملون عبء الترافع، ويُحاسبون على التقصير والتبذير .
مخرجات هذا المقال ، الوسيط السياسي المغربي اليوم مطالب بإعادة تعريف دوره، والخروج من جلباب “السماسرة الانتخابيين”، إلى فضاء النضال المؤسساتي من أجل الكرامة والعدالة والمساواة، فقد بات واضحًا أن فك العزلة عن المستضعفين لم يعد مطلبًا ظرفيًا، بل هو شرط من شروط استقرار الدولة وتحقيق التنمية الشاملة.
ويبقى السؤال معلقًا: هل نعيش يقظة سياسية تفرز وسطاء بحجم انتظارات المواطن المغربي؟ أم أننا لا زلنا نعيش زمن “وساطة الصمت”؟