الاحزاب السياسية في المغرب غير قادرة على انتاج واقع سياسي جديد هي لا تفهمه
عمرو العرباوي – مدير النشر
فعبارة عدم قدرة الأحزاب السياسية في المغرب على إنتاج واقع سياسي جديد يعود إلى عدة عوامل تتداخل فيما بينها، سأقوم بتفصيل هذه العوامل لتحليل الظاهرة بشكل مفصل ودقيق:
- ضعف البنية الفكرية والتنظيمية للأحزاب:
– التقليدية وانعدام الإبداع: الكثير من الأحزاب السياسية في المغرب تعتمد على أيديولوجيات تقليدية ومناهج عمل تقليدية لم تتطور مع الزمن، هذا الجمود الفكري يمنعها من فهم التحولات الاجتماعية والاقتصادية التي تحدث في المجتمع المغربي وفب باقي أنحاء العالم ، مما يحد من قدرتها على تقديم حلول وبدائل سياسية جديدة ومبتكرة وناجعة تتوافق مع متطلبات العصر الحديث.
– غياب الديمقراطية الداخلية: الأحزاب تعاني غالبًا من غياب الديمقراطية الداخلية وسيطرة القادة الشيوخ القدامى، ما يؤدي إلى إقصاء الطاقات السياسية الشبابية والأفكار المبدعة، هذا يؤدي إلى تكرار نفس الأفكار والسياسات التي عفا عليها الزمن.
- التبعية للقوى التقليدية والمصالح الاقتصادية:
– ارتباط الأحزاب بالقوى التقليدية: العديد من الأحزاب تكون مرتبطة بمصالح اقتصادية أو نخبوية معينة، مما يجعلها غير قادرة على الخروج عن توجهات هذه القوى، هذه التبعية تعرقل قدرتها على فهم الديناميكيات الاجتماعية الجديدة أو الاستجابة لمطالب الشباب والفئات الهشة.
– التمويل والمصالح الخاصة: تعتمد الكثير من الأحزاب على تمويل الدولة ومن جهات معينة تفرض أجندتها السياسية، مما يجعل الأحزاب محدودة في قدرتها على تقديم رؤى سياسية جديدة تتماشى مع تطلعات المواطنين.
- الانفصال عن المجتمع:
– انعدام التواصل الفعال مع المواطنين: العديد من الأحزاب تعاني من انفصالها عن المجتمع ولا تعيش نبض الشارع، ولا تطلعاته ، هذا الانفصال يجعلها غير قادرة على فهم التغيرات الاجتماعية والسياسية التي تحدث في البلاد، وبالتالي غير قادرة على تقديم حلول تتناسب مع الواقع الحالي.
– غياب الاهتمام بقضايا الشباب والنساء: في مجتمع يزداد فيه نسبة الشباب، نجد أن الكثير من الأحزاب لا تعير اهتمامًا كافيًا لقضايا الشباب والنساء،مما يضعف من قدرتها على التواصل مع هذه الفئات التي تمثل جزءًا كبيرًا من المجتمع المغربي.
– عدم الاستقلالية: هناك بعض الأحزاب التي تُعتبر جزءًا من النظام السياسي القائم أو تعمل تحت تأثيره، مما يجعلها غير قادرة على تقديم بدائل سياسية حقيقية.
- ضعف القدرة على المنافسة السياسية:
– انخفاض الثقة الشعبية: الثقة في الأحزاب السياسية انخفضت بين المواطنين نتيجة لسنوات من الفشل في تحقيق وعودها الانتخابية، هذا يجعلها غير قادرة على جذب قاعدة شعبية واسعة تمكنها من فرض تغييرات سياسية جديدة.
– غياب الرؤية الاستراتيجية: الأحزاب غالبًا ما تفتقر إلى رؤية استراتيجية واضحة لإحداث تغيير سياسي، وتركز بدلاً من ذلك على التكتيكات الانتخابية القصيرة الأمد.
– تأثير العولمة: العولمة جعلت بعض الأحزاب تعتمد على استيراد نماذج سياسية خارجية غير مناسبة للسياق المغربي، مما يساهم في عدم قدرتها على تقديم حلول محلية فعالة.
- غياب برامج سياسية واضحة:
– الأحزاب والوعود الفضفاضة: الكثير من الأحزاب المغربية تعتمد على شعارات فضفاضة ووعود عامة خلال الحملات الانتخابية، دون تقديم برامج سياسية واضحة وقابلة للتنفيذ، هذا يؤدي إلى خيبة أمل الناخبين وفقدان الثقة في قدرة الأحزاب على إحداث تغيير حقيقي.
– عدم التركيز على القضايا الجوهرية: جل الأحزاب السياسية المغربية تتجنب معالجة القضايا الحساسة أو المعقدة التي تمس حياة المواطنين بشكل مباشر، مثل التعليم، الصحة، والبطالة. بدلاً من ذلك، تركّز على قضايا ثانوية أو تستخدم الخطاب الشعبوي لكسب الدعم، مما يؤدي إلى افتقارها لخطط عمل فعالة.
- تدهور الثقة في المؤسسات:
– أزمة الثقة في النظام السياسي: عندما يشعر المواطنون بأن الأحزاب السياسية هي جزء من نظام سياسي غير قادر على تحقيق العدالة أو التقدم، فإنهم يفقدون الثقة فيها، هذا الانعدام في الثقة يضعف من قدرة الأحزاب على تحقيق تغييرات حقيقية.
– تأثير الفساد: انتشار الفساد داخل بعض الأحزاب يضعف من مصداقيتها ويجعلها غير قادرة على تقديم بدائل نظيفة وفعالة، هذا الفساد يؤدي إلى عزوف الناخبين وزيادة الشكوك حول قدرة الأحزاب على التغيير، فالمتابعات القضائية ضد العديد من المسؤولين السياسيين آلدين يتولون تدبير الشأن المحلي خير دليل على هذا الفساد السياسي.
- تناقص المشاركة السياسية:
– عزوف المواطنين عن المشاركة: انخفاض مستويات المشاركة السياسية، خاصة بين الشباب، يعكس حالة من الإحباط وعدم الثقة في جدوى العمل الحزبي، هذا العزوف يجعل من الصعب على الأحزاب تجديد نخبها السياسية وتقديم رؤية جديدة.
– التركيز على الانتخابات فقط: جل الأحزاب تركز فقط على الحملات الانتخابية دون اهتمام فعلي بالتواصل المستمر مع المواطنين والعمل على مدار سنوات التدبير الشأن المحلي ، هذا النهج يجعل المشاركة السياسية سطحية ومحدودة.
- تأثير الاستقطاب السياسي:
– الاستقطاب الحاد: في بعض الأحيان، يؤدي الاستقطاب السياسي الحاد بين الأحزاب إلى عرقلة التعاون والعمل المشترك لتحقيق الأهداف الوطنية، هذا الاستقطاب يجعل الأحزاب غير قادرة على التفكير خارج الصندوق أو تقديم حلول وسط تحقق التوافق الوطني.
– الصراع على السلطة: تركيز الأحزاب على الصراع على السلطة أكثر من التركيز على خدمة المواطن يؤدي إلى تعميق الأزمة السياسية ويحد من إمكانية إنتاج واقع سياسي جديد.
مخرجات هذا المقال ، أن الظاهرة التي نتحدث عنها تعكس حالة من الجمود والتراجع في المشهد السياسي المغربي، فالأحزاب السياسية تجد نفسها عاجزة عن إنتاج واقع سياسي جديد بسبب عوامل داخلية وخارجية تتعلق بضعف البنية الفكرية والتنظيمية، انعدام الديمقراطية الداخلية، التبعية للقوى التقليدية، عدم التواصل الفعال مع المجتمع، وتراجع الثقة الشعبية، بالإضافة إلى ذلك، غياب برامج سياسية واضحة، وتأثير الفساد والاستقطاب السياسي.
فإصلاح هذه الأوضاع يتطلب تغييرات عميقة في بنية الأحزاب السياسية وطرق عملها، بما في ذلك تشجيع المشاركة السياسية، تجديد الفكر السياسي، وتعزيز الديمقراطية الداخلية ، بهذه الطريقة فقط، يمكن للأحزاب أن تلعب دورًا فعالًا في إنتاج واقع سياسي جديد يلبي تطلعات المواطنين ويسهم في تنمية البلاد بشكل مستدام.