موقع الرأي العام في بلادنا بين الصناعة والتمويه :
برشيد: عمرو العرباوي/ مدير الصحيفة
قبل الشروع في تناول موضوع بحثا ، لا بد من تحديد مفهوم الرأي العام ، وهل الرأي العام متأصل في ثقافتنا بحيث يشمل جميع مناحي حياتنا دون استثناء ، ام هو صناعة وتمويه وسلاح دون حدين ؟، ثم اخيرا ما الم يحن بعد التأسيس للرأي العام المواطن والقطع بين تصيد اخطاء الاخرين وجعل منه قضية رأي عام ؟.
يتكون لفظ الرأي العام من كلمتين هما:
الرأي :وتعني الاعتقاد والعقل والتدبر والنظر والتأمل.
العام :وهي اسم جمع للعامة وهي خلافة الخاصة. وعليه فإن وصف الرأي بأنه عام يعني انه يشير إلى وجود معلومة تولدت لدى جماعة من الناس الذين يتعلق بهم الرأي العام.
واصطلاحا تعني لفظة رأي الاعتقاد بوجهة نظر يؤمن الفرد بصحتها ،الا ان هذا الاعتقاد لا يصل في صحته إلى مرتبة اليقين .
اما كلمة عام فتعني جماعة من عامة الناس يوجد بينهما قاسم أو موقف مشترك بينهم او مسألة تثير إهتمامهم أو المس بمصلحة تتسم بالعلانية.
اذا فالرأي العام هو تكوين فكرة او حكم على موضوع او شخص ما ، او مجموعة من المعتقدات القابلة للنقاش وبذلك قد تكون صحيحة او خاطئة ، وتخص اعضاء في جماعة او امة تشترك في الرأي رغم تباينهم الطبقي او الثقافي او الاجتماعي .
نظرا لاهمية الرأي العام وقياس درجة الرضى او الرفض عند الناس ، فليس غريبا ان تجد في البلدان التى تعترف وتعتقد بانها تسلك واجب احترام الرأي والرأي الاخر ، وانها تؤمن بحق المواطن في التعبير بكل حرية وشفافية بعيدا عن التوجيه والاكراه والتضييق ، وانها تشتغل وفق ديمقراطية تشاركية تنتصر لمبدأ المساواة والمواطنة وتخليق الحياة العامة والحكامة الجيدة والعمل الجاد في اتجاه تحقيق التنمية الشاملة المستدامة والعدالة الاجتماعية والمجالية .
من اجل تحقيق هذه القيم فان الحكومات في كل بقاع العالم تعمل على تمويل مؤسسات الدعاية للاعلان عن مشاريعها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ،لتوجيه الرأي العام وجعل منه قوة مؤمنة ومساندة ومواكبة لخطواتها في مواجهة قوى معارضة ومنددة ورافضة واحيانا مشككة .
فجل الانظمة تصطدم بما يسمى بالاعلام البديل الذي تمارسه وسائل التواصل الاجتماعي ، التي لا يمكن ان ننكر دورها في توجيه الرأي العام ، لكن في أي اتجاه ؟،
فصناعة الرأي العام وتدبيره عملية معقدة وصعبة وليس كل شخص له اتباع ومعجبين بشخصية قومية او وطنية بصانع رأي ، لان صناعة وهندسة الرأي العام نظام متصل ومترابط ، لكن ينبغي ان يكون لها اهداف واضحة مهما اختلفت خلفياتها (سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية…)حتى تحضى برد فعل جماهيري مدروس مسبقا ومعروفة نتائجه واثاره .
فصفحات التواصل الاجتماعي اليوم اضحت منارة للاشاعات والهشتاغات والاخبار الكاذبة ووسيلة جديدة لصناعة القطيع والتشهير والخدش في حياة الناس والتشكيك في المبادرات الاصلاحية لبعض المسؤولين بالرغم من نجاعتها
ومردوديتها .
الغريب ان بعض ممتهني صناعة وهندسة الرأي العام في بلادنا اصبحوا بسلوكهم يشكلون عبئا ثقيلا على انفسهم اولا ، وثانيا خطرا كبيرا على وطنهم وقضاياه المشروعة والثابتة ، فإشاعة الاخبار الزائفة والتشكيك في الاصلاحات المبادرات الوطنية الهادفة ، ونشر الثقافة السياسية الشعبوية ، وخدمة بعض الاجندة السياسية وتبخيس كل عمل وطني فهذا لا يعتبر رأي عام بل تمويه عام وبالنتيجة مآله الزوال والرمي في مزبلة التاريخ.