ثقافة و فنون

تحديد مفهوم القول في القرآن الكريم

عمرو العرباوي – مدير النشر

مفهوم القول في القرآن الكريم لغةً:

القول في اللغة هو الكلام أو الحديث، ويُستخدم للإشارة إلى ما يُنطق به من الألفاظ التي تحمل معاني معينة. وهو يُعبر عن التعبير اللفظي الذي يخرج من الإنسان ليُظهر ما يدور في عقله أو ما يريد أن يوصله للآخرين.

مفهوم القول في القرآن الكريم اصطلاحاً:
في القرآن الكريم، يتخذ القول معانٍ متعددة بناءً على السياق الذي يرد فيه. يمكن أن يشير إلى:
•الوحي الإلهي، حيث يأتي بمعنى ما أنزله الله على الأنبياء من رسائل وتعاليم.
•الخطاب الرباني، حيث يُستخدم في سياق خطاب الله للأنبياء أو للمؤمنين أو للناس كافة.
•الكلام البشري، سواء كان حقيقيًا أو كذبًا، حيث يظهر القول كمصدر للحوار والنقاش والتواصل بين الناس.
•التعبير عن المواقف والمشاعر، كالإشادة أو الانتقاد أو الاستنكار، ويأتي القول ليوضح موقف الشخص من موقف معين.
بالتالي، القول في القرآن له دلالات مختلفة، ولكنها تتفق في أنها تشير إلى عملية الكلام والتعبير عن الأفكار والمشاعر سواء كانت صادرة من الله أو من البشر. فمفهوم “القول” في القرآن الكريم يتسم إذا بالشمولية والعمق، ويتناول جوانب متعددة من الكلام والتعبير اللفظي والمعنوي.  ولتوضيح مفهوم القول في القرآن الكريم يقتضي الأمر سلك الخطوات التالية وهي:
  •  التعبير اللفظي المباشر:القول في القرآن يشير غالبًا إلى الكلام اللفظي الذي يصدر عن الإنسان أو الكائنات الأخرى، مثل الحوار بين الأنبياء وأقوامهم، أو بين الناس وبعضهم البعض، أو ما تقوله الملائكة، أو حتى الله تعالى ، على سبيل المثال: “قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي” (هود: 28). “وَقَالَتِ النَّمْلَةُ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ” (النمل: 18).
  • القول بمعنى الوحي أو الرسالة الإلهية: في كثير من الأحيان، يأتي القول ليعبر عن وحي الله أو أوامره ونواهيه المرسلة إلى البشر. مثل: “قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ” (الإخلاص: 1)، حيث الأمر هنا من الله إلى النبي صلى الله عليه وسلم لنقل كلام الله إلى البشر.
  • القول كدلالة على الموقف أو الرأي: القول قد يكون إشارة إلى موقف أو رأي يُعبر عنه، سواء كان موقفًا إيجابيًا أو سلبيًا. مثلًا: “وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ٱبْنُ ٱللَّهِ” (التوبة: 30)، هنا القول يعبر عن رأي اليهود.
  • القول في سياق الوعد أو الوعيد: القول قد يأتي بمعنى الوعد أو التهديد بالعقاب. مثلًا: “وَقُلِ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّآ أَعْتَدْنَا لِلظَّـٰلِمِينَ نَارًا” (الكهف: 29)، حيث القول هنا يحمل تحذيرًا من الله.
  • القول كدليل على المسؤولية والتقوى: القرآن يركز أيضًا على أهمية القول الصادق والموزون، ويحض على الالتزام بالقول السديد. مثل: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا” (الأحزاب: 70)، حيث يُطلب من المؤمنين قول الحق.
  • القول كإشارة إلى الخطاب بين الله وخلقه: القول في القرآن يستخدم للإشارة إلى التواصل المباشر بين الله وبين خلقه، مثل:“وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً” (البقرة: 30)، وهو حديث مباشر من الله إلى الملائكة.

الأبعاد الأساسية للقول في القرآن:

الصدق والالتزام: القرآن يحث على أن يكون القول دائمًا حقًا وملتزمًا بالأخلاق والتعاليم الإلهية.
التأثير: القول ليس مجرد كلام، بل هو وسيلة للتعبير عن القيم والإيمان، وله تأثير كبير في حياة الفرد والمجتمع.
المسؤولية: القرآن يشير إلى أن الإنسان مسؤول عن أقواله، وسيحاسب عليها.
بالتالي، القول في القرآن لا يقتصر على الكلام اللفظي بل يشمل المعاني الواسعة للأفكار والمواقف التي يعبر عنها البشر والملائكة، وكذلك أوامر الله وتعاليمه.
  •  القول كأداة للتعليم والتوجيه:القرآن كثيرًا ما يستعمل “القول” كوسيلة لنقل التعليمات والوصايا الإلهية للبشر، سواء من الله تعالى أو عبر أنبيائه، وهذا القول يأتي للتذكير والتوجيه، مثل قوله تعالى: “قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ” (الأنعام: 151)، حيث يأمر الله النبي بتعليم الناس وتذكيرهم بأوامره.
  • القول في سياق الحوار والنقاش:القرآن يعرض الكثير من الحوارات بين الأنبياء وأقوامهم، أو بين المؤمنين والكافرين، حيث يُستخدم القول لتبيان الحق والرد على الشبهات. مثل:“قَالَ يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا” (هود: 32)، هنا يعرض القرآن حوارًا بين نوح وقومه.
  • القول كوسيلة للتأثير النفسي والمعنوي: في بعض الآيات، يُستخدم القول لتعزيز الروح المعنوية أو تخويف الأعداء، أو للتأكيد على الأمل والرجاء في الله. مثل:“فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ” (طه: 47)، حيث يُطلب من موسى وهارون أن يستخدما القول في مواجهة فرعون لتوصيل رسالة الله.
  • القول كوسيلة للشهادة:القول يُستخدم في القرآن كوسيلة لإثبات الحق أو الشهادة على الأعمال أو الأحداث. مثال على ذلك:“وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ” (الروم: 55)، حيث يشير القرآن إلى أن المجرمين سيقولون يوم القيامة أقوالًا تدل على شعورهم بالندم.
  • القول في سياق الدعاء والتوسل:الدعاء في القرآن يُعد قولًا مهمًا، حيث يلجأ المؤمن إلى الله تعالى بكلماته ويعبر عن حاجاته وطلباته. مثل قوله تعالى: “رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا” (آل عمران: 8)، وهو قول يتوجه به المؤمنون إلى الله.
أهمية القول في القرآن من منظور أخلاقي وديني:
  • القول ميزان للنية والصدق: القرآن يوضح أن القول يعكس ما في القلوب، لذلك يشدد على أهمية أن يكون القول موافقًا للعمل والإيمان، مثل: “كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ” (الصف: 3).
  • القول وسيلة للتمييز بين الحق والباطل: من خلال القول، يستطيع الإنسان أن يبين موقفه من الإيمان والكفر، والحق والباطل، القرآن يضع أهمية كبيرة على استخدام القول بشكل صحيح لإظهار الحقائق.

أثر القول في الدنيا والآخرة:

  • في الدنيا: القول هو الأداة التي تُبنى عليها العلاقات الاجتماعية والتفاهم بين الناس. إذا كان القول حسنًا، فإنه يؤدي إلى المحبة والتفاهم، وإذا كان سيئًا، فإنه قد يسبب الفتن والعداوة.
  • في الآخرة: يُحاسب الإنسان على أقواله كما يُحاسب على أفعاله. القرآن يشير إلى أن كل كلمة ينطق بها الإنسان مسجلة وسيتم محاسبته عليها يوم القيامة: “مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ” (ق: 18).

القول والتعبير في جوانب مختلفة من الحياة:

  • القول في العلاقات الشخصية: القرآن يركز على ضرورة انتقاء الكلمات بعناية في التعامل مع الآخرين، الكلمة الطيبة قد يكون لها أثر إيجابي كبير. قال تعالى: “وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا” (البقرة: 83).
  • القول في السلوك الاجتماعي: القرآن يشجع على القول العادل والمنصف، خاصة في الأمور المتعلقة بالقضاء أو الشهادة. “وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا” (الأنعام: 152).
ختاما ، فالقول في القرآن الكريم له دلالات شاملة ومتنوعة، تبدأ من الكلام اللفظي وتصل إلى المعاني الأعمق مثل الموقف والرأي والتواصل مع الله والآخرين، القول ليس مجرد أداة للتعبير عن الأفكار، بل هو أيضًا مسؤولية أخلاقية ودينية يعكس من خلالها الإنسان ما في قلبه، ويحاسب عليها في الدنيا والآخرة،اظافة إلى جمالية وبلاغة مفهوم القول ، وقدرته كذلك على التعبير عن المعاني بألفاظ بسيطة ودقيقة في نفس الوقت ، كما تشمل جوانب الإعجاز في كيفية تركيب الجمل ، وتناغم الألفاظ ، واستخدام الأساليب البيانية مثل الاستعارة والتشبيه، مما يدل على ان مفهوم القول في القرآن الكريم صالح لكل زمان ومكان .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى