اخبار منوعة
المقاولة الاجتماعية: رافعة جديدة لخلق الثروة والتنمية المستدامة

ذا عمرو العرباوي / مدير النشر
أصبحت المجتمعات الحديثة في بحث دائم عن نماذج اقتصادية قادرة على خلق الثروة بمعناها الحقيقي، أي الثروة التي لا تُقاس فقط بالأرباح المالية، بل بما تُحدثه من أثر اجتماعي وبيئي وتنموي مستدام، وفي هذا السياق، تبرز المقاولة الاجتماعية كأحد أهم الابتكارات الاقتصادية التي تجمع بين منطق السوق وروح المسؤولية، وتُقدم حلولاً عملية لقضايا التنمية التي تعجز عنها المقاربات التقليدية.
أولاً: مفهوم المقاولة الاجتماعية
تُعرَّف المقاولة الاجتماعية بأنها مقاولة اقتصادية تسعى إلى تحقيق الاستدامة المالية، لكنها تجعل من الهدف الاجتماعي أو البيئي محور رسالتها الأساسية، فهي ليست جمعية خيرية ولا شركة تجارية محضة، بل هي مؤسسة توظّف آليات السوق لحلّ مشكلات اجتماعية مثل البطالة، الهشاشة، الفقر، التهميش المجالي، أو حماية البيئة.
وترتكز المقاولة الاجتماعية على ثلاث دعائم أساسية:
1-هدف اجتماعي أو بيئي واضح: مثل توفير فرص الشغل، تمكين النساء، الحفاظ على الموارد الطبيعية، إدماج ذوي الاحتياجات الخاصة…
2-نموذج اقتصادي مستدام: يقوم على إنتاج منتوجات أو خدمات مدرّة للدخل لضمان استمرارية المشروع.
3-أثر اجتماعي قابل للقياس: أي أن نجاحها يُقاس بمدى تأثيرها على المجتمع وليس فقط بحجم الأرباح.
بهذا المعنى، يتحول الربح إلى وسيلة لا غاية، وتصبح التنمية محور كل خطوة تتخذها هذه المقاولات.
ثانياً: دور المقاولة الاجتماعية في خلق فرص العمل
تلعب المقاولة الاجتماعية دوراً رئيسياً في خلق مناصب شغل ذات أثر اجتماعي مباشر، خصوصاً في سياقات تعرف هشاشة اقتصادية. وتبرز أهميتها في:
-إدماج الشباب العاطل في سوق الشغل.
-تمكين النساء اقتصادياً داخل المدن والقرى.
-خلق فرص مهنية للأشخاص في وضعية إعاقة.
-إنعاش الاقتصاد المحلي داخل المناطق القروية والجبلية.
-إحياء الحرف التقليدية والمهن الثقافية المهدّدة بالاندثار.
فالمقاولة الاجتماعية لا تخلق العمل فحسب، بل تخلق تشغيلية مندمجة تُراهن على التكوين، التطوير، وإكساب المهارات، مما يجعل أثرها مضاعفاً على مستوى الفرد والمجتمع.
ثالثاً: خلق الثروة بمعناها الحقيقي والشامل
لم يعد مفهوم الثروة مرتبطاً بالمؤشرات المالية فقط، بل أصبح مرتبطاً بمدى قدرة المشاريع على:
1-خلق الثروة الاجتماعية:
-تقليص الفوارق الاجتماعية.
-دعم الفئات الهشة.
-نشر ثقافة التضامن والمسؤولية.
-تحسين الاندماج الاجتماعي.
2-خلق الثروة الاقتصادية:
-إنتاج قيمة مضافة عبر خدمات ومنتجات مبتكرة.
-دعم المقاولات الصغيرة والمتوسطة.
-تنشيط الاقتصاد المحلي.
-تحسين الإنتاجية والرفع من مستوى التنافسية.
3-خلق الثروة البيئية:
-تشجيع الاقتصاد الأخضر.
-تعزيز ثقافة إعادة التدوير والاقتصاد الدائري.
-حماية الموارد الطبيعية.
-الحد من التلوث وتقليل البصمة الكربونية.
المقاولة الاجتماعية هي النموذج الوحيد الذي يجمع هذه الأبعاد الثلاثة للثروة داخل مشروع واحد، مما يجعلها حجر زاوية في بناء اقتصاد مستدام وذكي.
رابعاً: المقاولة الاجتماعية ورهان التنمية المستدامة
تساهم المقاولة الاجتماعية بشكل مباشر في تحقيق مجموعة من أهداف التنمية المستدامة المعتمدة دولياً، مثل:
-محاربة الفقر والهشاشة.
-تقليص الفوارق المجالية.
-ضمان العمل اللائق والنمو الاقتصادي.
-تعزيز المساواة بين الجنسين.
-حماية البيئة وتطوير الاقتصاد الأخضر.
-دعم الابتكار والإبداع.
فهي تُحوّل القضايا الاجتماعية إلى فرص اقتصادية، وتحوّل التحديات البيئية إلى مجالات للابتكار، مما يجعل منها شريكاً استراتيجياً في السياسات العامة.
خامساً: لماذا يحتاج المغرب إلى تعزيز المقاولة الاجتماعية؟
في ظل الارتباكات الاقتصادية والاجتماعية التي يعرفها المغرب، تبرز المقاولة الاجتماعية كحلّ فعال قادر على:
-خلق فرص شغل مستدامة للشباب.
-تقليص الفوارق بين القرى والمدن.
-محاربة البطالة وسط النساء.
-دعم الاقتصاد التضامني والابتكاري.
-تعزيز العدالة الاجتماعية والتنمية المجالية.
-مواجهة التحديات البيئية والمناخية.
كما أن التوجه الوطني نحو اقتصاد أخضر ورقمي يجعل من المقاولة الاجتماعية رافعة رئيسية لتحقيق تنمية شاملة.
مخرجات هذا المقال ، إن المقاولة الاجتماعية اليوم ليست نموذجاً اقتصادياً عادياً، بل هي ثورة هادئة تعيد تعريف الثروة، وتربط الربح بالمسؤولية، وتحوّل التنمية من مشروع تقليدي إلى مشروع تشاركي يضع الإنسان والبيئة في صلب أولوياته.
وإذا أرادت بلادنا فعلاً الانتقال إلى مرحلة جديدة من التنمية، فإن دعم المقاولات الاجتماعية ليس خياراً ثانوياً، بل هو ممر إلزامي لبناء اقتصاد المستقبل وإنعاش المجتمع بوجه إنساني ومستدام .



