اخبار منوعة

توظيف مفهوم شيطنة العمل السياسي لتحويل النقد إلى أداة شعبوية تقوض الديمقراطية:

عمرو العرباوي / مدير النشر

في زمن الأزمات وفقدان الثقة في المؤسسات، يتسع هامش الخطاب الشعبوي الذي يجد في “شيطنة العمل السياسي” تربة خصبة لتوسيع نفوذه، فبدل أن يكون النقد السياسي وسيلة لتقويم الأداء وتعزيز الشفافية، يتحول أحيانًا إلى أداة للنيل من الممارسة الديمقراطية ذاتها، عبر تجريد الخصم من شرعيته وتصويره كمصدر لكل الأزمات.

النقاش الديمقراطي السليم يفترض احترام التعددية، والاعتراف بشرعية الاختلاف، وتقديم بدائل تستند إلى البرامج لا إلى الأشخاص، لكن عندما يصبح الخطاب السياسي قائمًا على التعميم السلبي، ونزع الشرعية الأخلاقية عن الفاعلين السياسيين، واتهام كل من يشتغل داخل المؤسسات بالخيانة أو الفساد، فنحن أمام انحراف خطير عن قواعد اللعبة الديمقراطية.

هذا النوع من الخطاب لا يكتفي بانتقاد أداء سياسي معين أو حزب بذاته، بل يتعداه إلى تحقير السياسة ككل، وتصويرها كمنظومة مشبوهة لا جدوى منها، في استثمار واضح لفقدان الثقة الشعبي في المؤسسات. والنتيجة؟ اتساع دائرة العزوف، وازدهار الشعبوية، وتراجع منسوب الأمل في التغيير الديمقراطي.

فالخطاب الشعبوي يجد في شيطنة العمل السياسي أداة فعالة للتعبئة الجماهيرية، حيث يُبسّط الواقع المعقد إلى ثنائيات حادة: “الشعب النقي” مقابل “النخبة الفاسدة”، “نحن” مقابل “هم”، دون الحاجة إلى بلورة برامج أو مقترحات حقيقية،لأن هذا الخطاب يُغري بالإجابات السهلة، فإنه غالبًا ما ينتشر بسرعة لغياب وعي سياسي ، لكنه في المقابل يُفرغ السياسة من مضمونها العقلاني.

هل يمكن الخروج من الحلقة المفرغة؟

فالرد على هذا الخطاب لا يكون بمنعه، بل بفضحه وتشخيصه وتهجينه الجمهور حتى يكون على بينة من يحوم حوله من شبهات مغرضة ، الفاعلون السياسيون يحتاجون إلى استعادة المصداقية عبر الفعل لا القول، وإلى فتح قنوات تواصل فعّالة مع المواطنين، بدل ترك الساحة لخطابات التبسيط والتحريض والتخوين ،كما أن الإعلام الجاد والمجتمع المدني يتحملان مسؤولية تنوير الرأي العام، والتمييز بين النقد البناء و”النقد الهدّام” الذي لا يخدم سوى مزيد من التدهور الديمقراطي وإغراق الحياة السياسية في التراشق والتجاذب والجدال الفارغ من المحتوى .

مخرجات هذا المقال ، من المتعارف عليه كونيا ، أن العمل السياسي ليس شرًا في ذاته، بل آلية ضرورية للتغيير وإدارة الشأن العام، لكن حين يُقدَّم على أنه “عدو الشعب”، فإننا نقترب من منحدر خطير قد يقودنا إلى تبخيس الديمقراطية نفسها، وما أكثر الدروس في هذا السياق عبر العالم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى