اخبار منوعة

حينما لا تحب مكاناً استبدله: فلسفة التغيير بين الإحساس والانتماء

ذا عمرو العرباوي/ مدير النشر
في عالم سريع التغيرات، لم تعد الحياة تقبل الاستسلام أو العيش وسط بيئات خانقة ومحبطة، من هنا تنبع قوة العبارة: “حينما لا تحب مكاناً، استبدله”، كدعوة جريئة إلى التحرر من دوائر الركود، والانطلاق نحو فضاءات جديدة أكثر إلهاماً، إنها ليست مجرد دعوة للتنقل الجغرافي، بل فلسفة وجودية تعيد تشكيل العلاقة بين الإنسان والمكان، بين الانتماء والإرادة، وبين التعايش والاختيار.
العبارة في ظاهرها بسيطة، لكنها تحمل في جوهرها دلالات عميقة:
-المكان هنا لا يعني فقط الحيز الجغرافي أو المدينة التي نعيش فيها، بل يمتد ليشمل البيئة الاجتماعية، المهنية، النفسية وحتى الفكرية.
-عدم الحب قد يكون شعوراً بالاختناق، بالتهميش، أو غياب التقدير والانتماء.
-الاستبدال لا يعني الهروب، بل هو فعل إرادي يستند إلى الشجاعة والقدرة على اتخاذ القرار، من أجل التغيير والتحسين.
كثيرون يعيشون في أماكن لا يحبونها، لكنهم لا يغادرون، بعضهم مرتبط بعلاقات، وآخرون بوظائف، أو حتى بخوف غامض من المجهول، إن هذه العبارة تأتي لتكسر هذا الجمود، لتقول: لك الحق أن تختار، أن تعيد ترتيب علاقتك بالمكان، أن تضع نفسك في بيئة تمنحك القدرة على النمو لا الذبول.
ومع ذلك، لا بد من الإقرار بأن الاستبدال ليس دائماً ممكناً، خاصة في أوطان نحملها في قلوبنا رغم كل العلل، فحين يكون المكان هو الوطن، يصبح الاستبدال رمزياً لا فعلياً، من خلال تغيير العقليات، وتحسين المحيط، وبناء بيئة أفضل، لا الهروب منها.
في المجتمعات المتقدمة، تُعد القدرة على تغيير المكان أو المجال أو حتى الدائرة الاجتماعية مؤشراً على النضج النفسي والحرية الفردية، أما في المجتمعات المحافظة أو المتقوقعة، فكثيراً ما يُنظر إلى التغيير على أنه خيانة، أو ضعف في الانتماء.
لكن الحقيقة أن التغيير لا يناقض الوفاء، بل يعكس وعياً بالذات واحتراماً لها، فحينما يجد الإنسان نفسه محاطاً بالخذلان أو الإقصاء أو الفراغ، فإن التمادي في البقاء يُعد إهانة للنفس لا تضحية من أجل الآخرين.
أمثلة واقعية
-شاب يغادر مدينته الصغيرة إلى مدينة كبرى بحثاً عن فرص العمل.
-موظفة تستقيل من مؤسسة لا تقدر كفاءتها لتلتحق بشركة تفتح أمامها آفاق الإبداع.
-مواطن يشعر بالغربة في وسط اجتماعي مليء بالسطحية، فينتقل إلى وسط ثقافي يشاركه القيم نفسها، كل هؤلاء لم يهربوا من الواقع، بل غيّروا مواقعهم ليصنعوا واقعاً جديداً أكثر عدلاً لأنفسهم.
مخرجات هذا المقال “حينما لا تحب مكاناً، استبدله” ليست دعوة للقطيعة، بل نداء للانعتاق، إنها تذكير بأن الحياة أقصر من أن نعيشها في أماكن لا تليق بأحلامنا، وأن أعظم أشكال الانتماء تبدأ من الانتماء إلى الذات، ومن احترام حاجتنا إلى النمو والكرامة.
هي دعوة إلى شجاعة التغيير، وإلى الإيمان بأن الاستقرار لا يعني السكون، وأن من لا يملك شجاعة مغادرة المكان الخاطئ، لن يصل يوماً إلى المكان الصحيح.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى