صناديق الاقتراع الطريق الوحيد لتصحيح المسار السياسي

ذا عمرو العرباوي / مدير النشر
في المشهد السياسي المعاصر، تتجلى صناديق الاقتراع كأداة حاسمة ووسيلة مشروعة لتصحيح الانحرافات ومحاسبة الأحزاب السياسية التي اعتادت التملص من وعودها الانتخابية، فبينما يعبّر الشارع عن غضبه عبر الاحتجاجات والتظاهرات، يبقى السؤال الجوهري: هل تكفي هذه التحركات الشعبية لإعادة التوازن إلى المسار السياسي؟ أم أن الفيصل الحقيقي يكمن في ممارسة فعل الانتخاب ذاته؟
الوعود الانتخابية بين الواقع والمناورة
لا يخفى على أحد أن الكثير من الأحزاب السياسية تُغرق الناخبين في موسم الحملات بفيض من الوعود: تحسين المعيشة، مكافحة البطالة، محاربة الفساد، وتطوير الخدمات. غير أن الواقع بعد الفوز يثبت عكس ذلك، إذ يتحول الخطاب إلى مجرد شعارات استهلاكية، بينما تبقى القضايا الجوهرية معلّقة، هنا تحديداً تظهر أهمية ورقة الاقتراع، فهي السلاح السلمي الذي يملكه المواطن لمحاسبة من خدعه، وإقصاء المراوغين من المشهد.
الاحتجاج الشعبي وحدوده
الاحتجاجات الشعبية تلعب دوراً محورياً في رفع مستوى الوعي وإيصال صوت الشارع، لكنها تظل وسيلة ضغط محدودة إن لم تُترجم إلى سلوك انتخابي واعٍ، فالاحتجاج قد يُحدث ارتباكاً آنياً في حسابات السلطة، لكنه لا يغيّر الخريطة السياسية إلا إذا استند إلى صناديق الاقتراع، بمعنى آخر، يمكن للاحتجاج أن يُنذر، لكن الاقتراع هو الذي يُغيّر.
محاربة الفساد عبر الديمقراطية
الفساد الذي ينخر مؤسسات الدولة لا يُهزم بالشعارات ولا بالمزايدات، وإنما بالآليات الديمقراطية، فالتصويت ضد الأحزاب المتورطة في الفساد أو تلك التي فشلت في تنفيذ وعودها، يمثل أرقى أشكال المحاسبة السياسية. وإذا تحوّل الناخبون إلى قوة واعية تستخدم أصواتها كسلاح للمساءلة، فإن ذلك سيؤسس لثقافة سياسية جديدة عنوانها: “من يخدم الشعب يبقى، ومن يخون العهد يرحل”.
الطريق نحو وعي انتخابي جديد
إن المرحلة المقبلة تستوجب تجاوز ثقافة العزوف أو التصويت العاطفي، إلى مرحلة أكثر نضجاً قوامها الاختيار العقلاني المبني على تقييم الأداء لا على الانتماءات الضيقة. فالديمقراطية الحقيقية لا تقوم إلا على وعي جمعي يؤمن بأن التصويت ليس إجراءً شكلياً، بل قراراً مصيرياً يحدد شكل المستقبل.
مخرجات هذا المقال ،صناديق الاقتراع ليست مجرد صناديق خشبية تُملأ بالأوراق، بل هي مرآة لإرادة الأمة، ومحكمة عادلة لا تجامل أحداً، وبقدر ما يُحسن المواطن استخدامها، بقدر ما يتمكن من كبح جماح الأحزاب المارقة وتصحيح مسار السياسة. فالاحتجاج صوت، أما الانتخاب فهو فعل؛ والفرق بينهما هو الفرق بين الصرخة العابرة والقرار الحاسم.