اخبار منوعة
كتاب “المغرب ورهانات الإصلاح”: قراءة في إشكاليات التحول وحدود التغيير

عمرو العرباوي : مدير النشر
في زمن تتعالى فيه الأسئلة حول مآلات الإصلاح السياسي والاجتماعي في المغرب، يأتي كتاب “المغرب ورهانات الإصلاح” لمؤلفه محمد علمي برادة ليساهم في تعميق النقاش العمومي حول طبيعة التحولات التي تعرفها البلاد منذ بداية الألفية الثالثة، وخاصة في مرحلة ما بعد دستور 2011.
فالكتاب يُعد مرجعاً فكرياً نقدياً، يضم مساهمات لباحثين ومفكرين مغاربة تناولوا قضايا الإصلاح من زوايا متعددة، تجمع بين التحليل السوسيولوجي، والمقاربة السياسية، والقراءة التاريخية لمسارات التغيير في البلاد ، إنه كتاب يعرض الواقع كما هو، دون تزويق، ويضع الإصلاح في قلب الإشكاليات التي تواجه الدولة والمجتمع.
الإصلاح في المغرب: مسار معقد لا يخلو من المفارقات
يرصد الكتاب كيف أن خطاب الإصلاح ظل حاضراً في المشهد السياسي المغربي منذ عقود، لكنه ظل في كثير من الأحيان حبراً على ورق، أو محصوراً في مبادرات شكلية لا تلامس جوهر الإشكالات البنيوية، في هذا السياق، يطرح المؤلف سؤالاً محورياً: هل الإصلاح خيار استراتيجي أم مجرد آلية لامتصاص الاحتقان الاجتماعي والسياسي؟
يعالج الكتاب هذا السؤال من خلال تتبع محطات مفصلية مثل:
-إصلاح التعليم، الذي تَراوح بين خطابات كبرى وأزمات متكررة في التنفيذ.
-الإصلاح الإداري، حيث يستمر هاجس البيروقراطية وضعف النجاعة.
-التحول الدستوري لسنة 2011، الذي أفرز إمكانيات جديدة لكنها سرعان ما اصطدمت بحدود الواقع السياسي.
الدولة والمجتمع: توازنات القوة وحدود الإرادة
من بين الأفكار المركزية في الكتاب أن الإصلاح في المغرب لا يمكن اختزاله في المبادرات الرسمية للدولة، بل يرتبط أيضاً بدينامية المجتمع المدني، والنخب السياسية، ودرجة وعي المواطن، غير أن الكتاب يسجل نوعاً من الخلل في توازن القوى بين الدولة، التي ما زالت تحتكر المبادرة، والمجتمع، الذي يعاني من التهميش وضعف التأطير.
يفتح هذا الطرح النقاش حول طبيعة العلاقة بين السلطة والمجتمع، وهل الإصلاح يتم “من فوق” فقط، أم يحتاج إلى قاعدة مجتمعية واعية ومنظمة تدفع به إلى الأمام، ويُطرح أيضاً دور النخبة السياسية، التي يتهمها كثير من المشاركين في الكتاب بـ”الانتهازية” و”العجز عن المبادرة”.
نقد داخلي ودعوة إلى مراجعة الخيارات
اللافت في هذا المرجع الفكري أنه لا يكتفي بالتشخيص، بل يوجه نقداً ذاتياً للنموذج التنموي والسياسي المغربي، ويدعو إلى تجاوز منطق “الترقيع” نحو إصلاح جذري وشامل، يتأسس على:
-ربط المسؤولية بالمحاسبة الفعلية.
-إعادة الثقة في المؤسسات.
-تجديد النخب السياسية والفكرية.
-تعزيز العدالة الاجتماعية وتقليص الفوارق المجالية.
فالكتاب يُعد أيضاً تنبيهاً إلى خطورة استمرار ما يسميه بعض الكتّاب بـ”إصلاح بدون إصلاحيين”، أي غياب الحاملين الحقيقيين لمشروع التغيير داخل المؤسسات.
مخرجات هذا المقال، يُمكن اعتبار كتاب “المغرب ورهانات الإصلاح” دعوة صريحة لمغربة الإصلاح فكراً وممارسة، بعيداً عن استيراد النماذج الجاهزة أو الرهان على التغيير من الخارج، إنه كتاب يُخاطب العقول، ويطالب بإعادة بناء الثقة بين الدولة والمجتمع، على قاعدة تعاقد سياسي جديد يُكرّس الديمقراطية الفعلية ويستجيب لتطلعات الأجيال الجديدة، كما إنه مرجع لا يقدّم أجوبة جاهزة بقدر ما يطرح أسئلة مزعجة لكنها ضرورية، حول مستقبل الإصلاح في مغرب يتحرك بين الأمل والتردد، وبين الحاجة إلى التغيير والخوف من مآلاته.
هذا الكتاب محطة مهمة لفهم المأزق الإصلاحي الذي نعيشه، ولبنة في بناء وعي جماعي نقدي قادر على الدفع في اتجاه مغرب أكثر عدالة وكرامة وديمقراطية.