اخبار منوعة

“ليس السكوت علامة الرضى: حين يصبح الصمت صرخة غير مسموعة”

برشيد : ذا عمرو العرباوي / مدير النشر .

في مجتمعنا تُقاس فيه المواقف بالصوت العالي وتُحتسب الآراء بالتصريحات الجريئة، تبرز عبارة لافتة تعيد ترتيب مفاهيمنا حول الفعل وردّ الفعل: “ليس السكوت علامة الرضى”، عبارة تختصر مشهداً واسعاً من الصراعات اليومية الصامتة، وتفضح فكرة مغلوطة طالما وظفها البعض للتبرير أو التواطؤ أو حتى القمع.

فالصمت لغة معقدة ، يُفهم السكوت، في كثير من السياقات، كنوع من القبول أو الرضى الضمني، لكن الحقيقة أن الصمت لا يعني بالضرورة الرضى، بل قد يكون خوفاً، أو قهراً، أو حكمة، أو يأساً، أو حتى تمرّداً صامتاً ينتظر لحظة الانفجار، وهنا تكمن خطورة إساءة فهم الصمت، سواء من طرف المسؤولين أو الفاعلين السياسيين أو حتى داخل العلاقات الشخصية.

حين يُقهر الصوت ، في أنظمة استبدادية أو في بيئات اجتماعية تفتقر إلى حرية التعبير، يُفرض الصمت على الأفراد قهراً، فيتحول إلى واجب، لا خيار، حينها، لا يمكن تفسير السكوت على أنه رضى، بل هو نوع من الحذر والنجاة، وربما آخر شكل من أشكال المقاومة الممكنة.

أما داخل الأسر أو المؤسسات، فكثيراً ما يختار الأفراد الصمت خوفاً من العواقب، أو حفاظاً على السلام الهش، أو لأنهم أدركوا أن لا أحد ينصت، هذا الصمت، عوض أن يُفهم كدليل على الرضى، يجب أن يُفهم كجرس إنذار.

الصمت السياسي: ما لا يُقال أكثر أهمية ، في الحياة السياسية، قد تختار فئات واسعة من الشعب الصمت، لا لأن الأمور على ما يرام، بل لأنهم فقدوا الثقة في جدوى الكلام، أو ضاقوا ذرعاً بتكرار الوعود وعدم التغيير، هؤلاء لا يصوّتون، لا يشاركون، لا يحتجون، لكنهم ليسوا بالضرورة راضين، بل قد يكونون الغائبين الحاضرين، الذين يشكلون في لحظة ما قوة التغيير الحقيقية، حين ينفجر صمتهم دفعة واحدة.

فإسكات الصوت لا يعني إلغاء الرأي ، من أكبر أخطاء من يمسكون بزمام القرار، تفسير الصمت الجماعي على أنه تأييد مطلق، فكم من قضية مرت بصمت، ثم فجرت غضباً اجتماعياً غير متوقع، لذلك، لا بد من فتح قنوات الإصغاء، لا لمجرد سماع الضجيج، بل لفهم ما وراء الصمت من رسائل، وربما من ألم.

نحو ثقافة الاعتراف بالاختلاف ، لنتعلّم أن الصمت ليس رضى، وأن السكوت لا يعني بالضرورة القبول، فالحوار الحقيقي لا يبدأ حين يتكلم الناس، بل حين نمنحهم الأمان ليُعبّروا، والسلطة الواعية ليست التي تحتفي بالهدوء، بل التي تشتبه في هدوء غير مبرر، وتبادر بفهم أسبابه.

مخرجات هذا المقال ، “ليس السكوت علامة الرضى” عبارة يجب أن تُصبح مبدأ يُؤسس عليه فهمنا للمجتمع والسياسة والعلاقات، فالصمت قد يخفي ألماً أو رفضاً، أو حتى غضباً مكبوتاً، وإذا لم يُفهم في سياقه الصحيح، فستفاجئنا العواقب في وقت لم نكن فيه مستعدين لسماع الصوت الذي كان مختبئاً خلف الصمت.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى