اخبار منوعة

موقع الديمقراطية التشاركية بالمغرب بين التفعيل من قبل المسؤولين السياسيين وبين التوجس من تبعاتها 

عمرو العرباوي – مدير النشر
الديمقراطية التشاركية هي نظام ديمقراطي يتميز بإشراك المواطنين في عملية صنع القرار بشكل مباشر أو غير مباشر، بحيث لا تقتصر المشاركة السياسية على التصويت في الانتخابات فقط، بل تمتد لتشمل مساهمتهم في صياغة السياسات العمومية وتقييمها ومراقبتها، والهدف من هذا النهج هو تعزيز الشفافية، تحسين فعالية القرارات، وزيادة الثقة بين المواطنين والمؤسسات.
في المغرب، تم تكريس الديمقراطية التشاركية في دستور 2011، خاصة في الفصلين 12 و13، حيث تم النص على إشراك المواطنين والمجتمع المدني في بلورة السياسات العمومية وتتبع تنفيذها. ويتجلى هذا المبدأ في عدة آليات مثل:
  • العرائض: التي تتيح للمواطنين اقتراح مواضيع أو سياسات على السلطات العمومية.
  • الملتمسات: التي تسمح للمجتمع المدني بالمشاركة في العملية التشريعية.
  • هيئات التشاور العمومي: التي تعمل كمنصات للحوار بين المواطنين وصانعي القرار.
تفعيل الديمقراطية التشاركية في المغرب: انعكاس النهج الملكي أم ممارسة مترددة؟
العاهل المغربي الملك محمد السادس حفظه الله ، منذ اعتلائه العرش، دعا إلى ترسيخ مبادئ الديمقراطية، تعزيز دور المجتمع المدني، والانتقال إلى نموذج حكم تشاركي أكثر شمولاً، وقد ظهر ذلك بوضوح في عدة خطب ملكية تدعو إلى الإصلاح السياسي، الإداري، واللامركزي، كما تجسد في التوجه نحو دسترة الديمقراطية التشاركية.
لكن السؤال هو: هل تفعيل المسؤولين السياسيين لهذه الآليات يعكس قناعة حقيقية بالنهج الديمقراطي، أم أنه مجرد تطبيق شكلي؟
للإجابة على هذا، يمكن تقسيم التحليل إلى ثلاثة أبعاد:
الإطار النظري والتشريعي:
على المستوى النظري، يظهر أن هناك التزاماً من طرف المسؤولين بتفعيل الديمقراطية التشاركية، حيث تمت المصادقة على القوانين التنظيمية المتعلقة بالعرائض والملتمسات، وتم إنشاء بعض الهيئات الاستشارية، لكن تطبيق هذه النصوص عملياً يواجه تحديات كبرى، مثل نقص الموارد البشرية والمالية، وتعقيد الإجراءات، وضعف الوعي لدى المواطنين بآليات المشاركة.
الإرادة السياسية:
رغم وجود جهود لتفعيل الديمقراطية التشاركية، فإن العديد من المسؤولين السياسيين يظهرون تردداً أو انعدام إرادة حقيقية في اعتماد هذا النهج، فغالباً ما يتم التعامل مع الديمقراطية التشاركية كإجراء شكلي و صوري أكثر من كونها أداة فعلية لتغيير طريقة صنع القرار، والأسباب وراء ذلك قد تشمل:
•الخوف من فقدان السيطرة على السلطة.
•ضعف الكفاءة في تفعيل هذه الآليات.
•عدم إدراك أهمية إشراك المواطنين كعنصر ضروري لنجاح السياسات.

الانسجام مع الرؤية الملكية:

الرؤية الملكية تدعو بوضوح إلى تعزيز دولة القانون والمؤسسات، وإشراك الجميع في العملية السياسية والتنموية، كما إذاً، كل مسؤول يعمل خارج هذا النهج أو يتباطأ في تفعيله، يكون إما بسبب عوائق موضوعية أو نتيجة مقاومة داخلية لثقافة الديمقراطية التشاركية.
التحديات الكبرى لتفعيل الديمقراطية التشاركية
رغم الإطار القانوني والمؤسساتي الذي يدعم الديمقراطية التشاركية، يواجه تفعيلها تحديات عدة تؤثر في فعاليتها ومصداقيتها، من أبرزها:
• ضعف الثقة بين المواطنين والمؤسسات:
يعاني جزء كبير من المواطنين من فقدان الثقة في النخب السياسية والمؤسسات العمومية نتيجة تجارب سابقة من عدم الوفاء بالوعود أو عدم تلبية التطلعات.
• غياب الشفافية في تدبير الشأن العام:
رغم الجهود المبذولة لتعزيز الشفافية، إلا أن العديد من الهيئات العمومية لم تصل بعد إلى مستوى يطمئن المواطنين بأن مشاركتهم ستكون لها نتائج ملموسة.
• ضعف المجتمع المدني:
على الرغم من دوره الحيوي، يظل المجتمع المدني المغربي في العديد من المناطق غير منظم بشكل كافٍ أو يفتقر إلى الموارد والكفاءات اللازمة للقيام بدوره الفاعل في إطار الديمقراطية التشاركية.
الإقصاء الجغرافي والاجتماعي
هناك تفاوت كبير بين المدن الكبرى والمناطق القروية أو النائية من حيث تطبيق آليات الديمقراطية التشاركية. كما أن الفئات الهشة، مثل النساء والشباب، غالباً ما تجد صعوبة في الانخراط بفعالية.
سبل تحسين تفعيل الديمقراطية التشاركية
لتجاوز هذه التحديات وضمان أن تصبح الديمقراطية التشاركية أداة حقيقية للإصلاح والتنمية، يمكن اقتراح مجموعة من الحلول العملية:
1.تعزيز التكوين وبناء القدرات:
•توفير برامج تدريبية للمسؤولين المحليين والمجتمع المدني حول آليات المشاركة.
•إدماج التربية على المواطنة والديمقراطية التشاركية في المناهج الدراسية.
2.توسيع نطاق المشاركة:
•استخدام التكنولوجيا لتعزيز المشاركة الإلكترونية، خاصة في المناطق النائية.
•تنظيم حملات توعية على الصعيد الوطني لتعريف المواطنين بحقوقهم وآليات المشاركة.
3.تحسين الإطار التشريعي والتنفيذي:
•مراجعة القوانين التنظيمية لضمان بساطة الإجراءات.
•إنشاء منصات وطنية لتتبع تنفيذ العرائض والملتمسات لضمان المصداقية.
4.تعزيز المساءلة والشفافية:
•نشر نتائج المشاركات العمومية وآثارها على السياسات.
•ضمان استقلالية هيئات المراقبة والتقييم.

 الديمقراطية التشاركية كرافعة للتنمية المستدامة

إذا تم تفعيل الديمقراطية التشاركية بالشكل الصحيح، يمكن أن تصبح رافعة حقيقية للتنمية المستدامة في المغرب، فمن خلال إشراك المواطنين في تصميم وتنفيذ السياسات العمومية، ستتعمق الثقة في المؤسسات، وستكون القرارات أكثر تلبية لاحتياجات المواطنين، كما كما أن هذا النهج يعزز الشعور بالانتماء والمسؤولية الجماعية، مما يساهم في بناء مجتمع متماسك ومزدهر.
مخرجات هذآ المقال، يمكن التأكيد على أن الديمقراطية التشاركية ليست فقط مطلباً دستورياً في المغرب، بل هي جزء من رؤية إصلاحية شاملة يقودها الملك محمد السادس نحو تحقيق نموذج تنموي جديد يضع المواطن في صلب العملية السياسية والتنموية، إلا أن النجاح في تفعيلها يتطلب إرادة سياسية صادقة من المسؤولين، وانخراطاً حقيقياً من المجتمع المدني والمواطنين، وبالتالي، فإن أي تقاعس عن تطبيقها أو محاولات الالتفاف حولها لا يعكس فقط عدم الانسجام مع النهج الملكي، بل أيضاً عرقلة لمسار الإصلاح والتحديث الذي يطمح إليه المغرب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى