اخبار منوعة

هل تم تشكيل ثقافة الفساد ليصبح واقعا ؟

عمرو العرباوي – مدير النشر
معنى الفساد لغةً واصطلاحًا
الفساد في اللغة العربية مشتق من كلمة  (فَسَدَ) ويعني التلف والعطب والخروج عن الاعتدال والصلاح ، ويقابله الصلاح، ففي قول الله تعالى:
“وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا” (الأعراف: 56)
ويقال:
•فَسَد الشيء أي تلف وزال نفعه.
•فَسَد الطعام أي أصبح غير صالح للأكل.
•فَسَد المسؤول أي ظلم وانحرف عن العدل.
أما الفساد اصطلاحًا هو استغلال السلطة أو المنصب أو النفوذ لتحقيق مصالح شخصية على حساب المصلحة العامة، أو القيام بممارسات غير مشروعة تؤدي إلى الإضرار بالمجتمع والدولة، ويشمل الفساد جميع السلوكيات السلبية التي تؤدي إلى خلل في المنظومة الإدارية أو السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية، مثل:
•الرشوة: دفع المال للحصول على خدمة غير مستحقة.
•المحسوبية: تفضيل الأقارب والمعارف على حساب الكفاءة.
•الاختلاس: سرقة المال ال…
 الفساد في أي مجتمع ليس مجرد انحراف سلوكي لبعض الأفراد، بل يمكن أن يصبح ثقافة متجدرة إذا ما تكرّست ممارساته وأصبحت مقبولة أو مبرّرة من قبل المجتمع، فعندما يصبح الفساد جزءًا من الحياة اليومية، فإنه يتحول إلى منظومة لها آلياتها الخاصة التي تغذيها المصالح المتبادلة والتواطؤ بين مختلف الفاعلين، سواء في القطاع العام أو الخاص.
في بلادنا ،نجد أن الفساد لم يعد مجرد تجاوزات فردية معزولة، بل أصبح جزءًا من المشهد العام ،
ولتفسير هذه الظاهرة الخطيرة يمكن اتباع الخطوات الآتية:
أولا : الطبيعة البنيوية للفساد:
-فالفساد مرتبط بغياب الشفافية وضعف المحاسبة، حيث نجد أن المؤسسات الرقابية غالبًا ما تكون غير فعالة أو مسيسة، مما يخلق بيئة مشجعة على الفساد.
-تعقد المساطر الإدارية يجعل المواطن مضطرًا للجوء إلى الرشوة لتسريع المعاملات، مما يعزز القناعة بأن الأمور لا تسير إلا بـ”التدويرة” أو “ المعارف ”.
ثانيا : التطبيع الاجتماعي مع الفساد:
-عندما تصبح الرشوة والمحسوبية وسيلة أساسية للحصول على الحقوق والخدمات العامة الأساسية مثل التطبيب والتشغيل والصيانة وغيرها، فإن المواطنين أنفسهم يبدؤون في تبريرها كضرورة وليست كجريمة.
-عبارات مثل “إذا لم تدفع، فلن تحصل على شيء”، أو “هذا هو الواقع، ولا يمكن تغييره”، تعكس مدى تجذر الفساد في الوعي الجماعي.
ثالثا : ضعف الردع والعقوبات:
فغالبًا ما تتم معاقبة “صغار الفاسدين”، بينما تنجو “الرؤس الكبيرة ”، مما يعزز الاعتقاد بأن القانون لا يطبق على الجميع بالتساوي.
-قضايا الفساد التي يتم كشفها إعلاميًا قليلة وغالبا  ما تنتهي بعقوبات حقيقية، لكن لازلنا لم نصل بعد إلى مستوى أعلى لاجتثاث هذه الافة .
رابعا: غياب العدالة الاجتماعية والاقتصادية:
-الفوارق الطبقية الكبيرة تدفع الكثيرين إلى البحث عن طرق غير مشروعة لتحسين أوضاعهم، سواء عبر الرشوة أو التهرب الضريبي أو استغلال النفوذ.
-ضعف الأجور وارتفاع تكلفة المعيشة يجعل بعض الموظفين يرون في الفساد وسيلة لتعويض ضعف دخلهم على حساب المواطن.
أمثلة على تجليات الفساد في الواقع
-الفساد الإداري: تعطيل الملفات الإدارية عمداً لإجبار المواطنين على تقديم الرشاوى.
-الفساد السياسي: استغلال المناصب لتحقيق مصالح شخصية أو لخدمة شبكات الزبونية.
-الفساد الاقتصادي: تفويت الصفقات العمومية بشكل غير شفاف، أو منح الامتيازات للمقربين دون احترام مبدأ المنافسة.
– الفساد الاجتماعي: استخدام النفوذ للحصول على وظائف أو امتيازات غير مستحقة.
كيف يمكن اجتثاث هذه الثقافة؟
للقطع الصلة مع هذه الثقافة اللقيطة ينبغي :
أولا : تعزيز الشفافية والمحاسبة
-تفعيل دور المؤسسات الرقابية بشكل مستقل دون تدخل سياسي.
-نشر جميع الصفقات والميزانيات والمداخيل الحكومية للعامة علانا لضمان الشفافية.
ثانيا : إستقلال القضاء
– ينبغي تعزيز دور القضاء في تطبيق العقوبات بشكل صارم على جميع المتورطين في الفساد، بغض النظر عن مناصبهم ومواقعهم .
-توفير آليات جادة وعملية لحماية المبلغين عن الفساد من أي انتقام محتمل.
ثالثا : إصلاح الإدارة،
-تقليل البيروقراطية وإطلاق خدمات إلكترونية تحد من الاحتكاك المباشر بين المواطنين والموظفين.
-تبسيط المساطر الإدارية لمنع أي استغلال من قبل الموظفين الفاسدين.
رابعا : ينبغي ترسيخ ثقافة النزاهة في المجتمع 
-عبر القيام بحملات توعية في المدارس والإعلام لترسيخ فكرة أن الفساد ليس قدراً محتوماً، بل يمكن مكافحته.
-تشجيع قيم المواطنة والشفافية عبر المناهج الدراسية والمجتمع المدني.
خامسا : تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية،
-عبر رفع الحد الأدنى للأجور وتحسين ظروف العمل حتى لا يكون الفساد خيارًا للبقاء.
-تقليص الفوارق الاجتماعية عبر سياسات عادلة في التوظيف والتعليم والصحة.
مخرجات هذا المقال ، ما يمكن  الإفصاح هو أن الفساد ليس مجرد ظاهرة، بل هو نتيجة تراكمات ثقافية واقتصادية وسياسية، واجتثاثه يتطلب إرادة سياسية حقيقية، وإصلاحات عميقة، وحركة مجتمعية ترفض التطبيع معه، فالتغيير ممكن، لكنه يحتاج إلى وعي مجتمعي بأن استمرار الفساد يعني استمرار الظلم والتسيب الإداري ، وضعف التنمية، وانعدام تكافؤ الفرص وتد الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي وبالتالي غياب السلم الاجتماعي المنشود .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى