حين تغيب الكفاءات وتفشل الأحزاب: أزمة السياسة العمومية في المغرب.

ذا عمرو العرباوي/ مدير النشر .
في مشهد سياسي تتداخل فيه الأعطاب الهيكلية وتغيب فيه الرؤية والتدبير وتنعدم الجدية والعمل الجاد ، حيث يجد المواطن المغربي نفسه أمام واقع مأزوم، تتكرّس فيه معاناة يومية بسبب فشل السياسات العمومية، لا لشيء سوى لكون الفاعل السياسي – المفترض أن يقود مسار التنمية – لا يتسلّح بالكفاءة، ولا يلتزم بالمسؤولية، ولا يتبنى المصلحة العامة كأولوية بل ينغمس في التماس الملذات الريعية بدون تردد أو كياسة .
حين نتمعن في تركيبة النخب الحزبية داخل مؤسسات التسيير المحلي والوطني، نصطدم بإشكالية عميقة تتعلّق بغياب الكفاءات المؤهلة والقادرة على صياغة وتنزيل سياسات عمومية ناجعة، كثير ممن يتولون المسؤولية، خاصة في الجماعات والمجالس، يفتقدون لأبسط مقومات التكوين الإداري أو التقني، فتتحول مناصب القرار إلى مراكز للوجاهة أكثر منها أدوات للتنمية.
هذا الغياب لا يأتي من فراغ، بل هو نتيجة منطق محاصصة حزبية تُقدّم الولاء السياسي على الكفاءة، وتُقصي الخبراء والمتخصصين من دوائر القرار، ليبقى التدبير حبيس الارتجال والتجريب، والنتائج واضحة: مشاريع متعثرة، بنيات متدهورة، وخدمات عمومية هشة.
الأحزاب السياسية – التي يفترض أن تكون صلة الوصل بين الدولة والمجتمع – دخلت في دوامة من الانغلاق، وتحولت إلى آلات انتخابية تفتقر إلى النفس الإصلاحي، غياب التكوين الحزبي، وتراجع النقاش الداخلي، وصار الانشغال الأول هو اقتناص المقاعد وليس إنتاج السياسات.
هذا الفشل البنيوي جعل المواطن ينفر من المشاركة، ويفقد الثقة في المؤسسات المنتخبة، ما أدى إلى تفكك العقد السياسي والاجتماعي، وانسحاب المواطن من الحقل العام، تاركًا الفراغ يتسع، والهوة تتعمق والمال يتبدد والبناء التنموي ينهار .
غياب الكفاءات وفشل الوساطة الحزبية أفرزا سياسات عمومية موسومة بالارتجال والتناقض، فغابت العدالة المجالية، وتضخمت الفوارق الاجتماعية، وتكررت نفس البرامج الفاشلة بصيغ مختلفة.
فالعديد من المبادرات التنموية – سواء في التعليم أو الصحة أو التشغيل – لم تترجم إلى أثر ملموس على الأرض، لأن من صاغها لم يستند إلى رؤية استراتيجية واضحة، ولم يُشرك المعنيين بها، فبقي المواطن في الهامش، والسياسات في الورق.
إلى أين؟ وماذا بعد؟
إن استمرار هذا الوضع ينذر بمزيد من التأزم، ولا يمكن تجاوز هذه المرحلة إلا بإعادة الاعتبار للكفاءة في التعيين والتمثيل، وبفتح الأحزاب لأطرها القادرة على التفكير والتخطيط والتنفيذ، كما يجب إعادة النظر في منطق تدبير الشأن العام، والانتقال من “سياسة الأشخاص” إلى “سياسة الأفكار”، ومن “الحسابات الضيقة” إلى “مشروع مجتمعي شامل”.
المغرب في حاجة إلى نخب جديدة، تحمل همّ الإصلاح، وتستند إلى التكوين الجاد والتجربة الحقيقية، وتؤمن بأن الوطن لا يُبنى بالشعارات، بل بالكفاءات والنيات الصادقة، والقرارات الجريئة.
مخرجات هذا المقال ، حين تغيب الكفاءات وتفشل الأحزاب، لا يُستغرب أن تفشل السياسات، ويضيع زمن التنمية، وتتفاقم الأزمات، إن اللحظة الراهنة تفرض التوقف والمراجعة، فإما أن نعيد ترتيب البيت السياسي على أسس الكفاءة والنزاهة والنجاعة، أو نستمر في إنتاج نفس الإخفاقات بثمن أعلى، ومخاطر أكبر.