اخبار منوعة

الإبداع عندما تُصبح الأسئلة المفتوحة بوابة العقل الحر

ذا عمرو العرباوي/ مدير النشر

في عالم تتسارع فيه التحولات وتتناسل فيه الأجوبة الجاهزة، يبرز الإبداع كقوة ناعمة وضرورية تعيد للإنسان حريته الأولى: وهي حرية السؤال، فليس الإبداع في جوهره إلا تمرداً ناعماً على النمطية، وسفراً مفتوحاً في عوالم لا حدود لها، يبدأ بسؤال، ولا ينتهي بإجابة، من هنا، فإن الإبداع ليس نتاجاً لمعرفة محفوظة أو معطى جاهز، بل هو فعل يتأسس على سؤال مفتوح وموقف من الواقع يحركه عقل نقدي وتُحرّره حرية تفكير لا نهائية.

أولاً: الأسئلة المفتوحة جوهر الإبداع: السؤال المفتوح لا ينتظر إجابة واحدة نهائية، بل يُفجّر إمكانيات متعددة للتفكير، ويخلق مناطق رمادية تُغري بالاكتشاف والتحليل، لهذا السبب، تُعد الأسئلة المفتوحة محركاً رئيسياً لكل عمل إبداعي، لأنها تُحرّر الفكر من سلطة اليقين وتُدخله في فضاء الاحتمال، إنها تشبه تلك الشرفة التي تُطل على المجهول دون أن تخشى العتمة، بل تحتفي بها كفرصة للتأمل والتأويل.

ثانياً: العقل النقدي البوصلة التي تُمزّق الأقنعة: العقل النقدي لا يقبل المسلمات، ولا ينحني أمام الثوابت غير المعلّلة، إنه عقل يُحلّل، يُقارن، ويشك، لا بدافع الهدم، بل بدافع إعادة البناء على أسس أكثر متانة. فالعقل الذي يُبدع لا يستهلك الأفكار، بل يعيد إنتاجها في ضوء تساؤلات جديدة، لذلك، لا يُمكن تخيّل الإبداع دون تمكّن صاحبه من التفكير النقدي، الذي يُنقّي الفكرة من الزيف، ويُحرّرها من التكرار.

ثالثاً: حرية التفكير الشرط الأول لكل إنتاج رمزي أصيل: الإبداع لا يتنفس في مناخ القمع، ولا يُزهر في تربة الخوف، إنه يحتاج إلى فضاء حر، لا يعرف سقفاً للخيال، ولا خطوطاً حمراء للطرح. حرية التفكير لا تعني الانفلات، بل تعني القدرة على مجاوزة المعتاد والسائد، واقتراح بدائل عقلانية وشجاعة، من هنا، فإن حرية التفكير شرط وجودي لكل فعل إبداعي، لأنها تفتح أبواب العقل على مصراعيها وتمنحه شرعية الانطلاق.

رابعاً: بين الإبداع والتربية هل نُعلم أبناءنا كيف يسألون؟: ما زالت الأنظمة التربوية التقليدية، في العديد من البلدان العربية، تحارب السؤال وتُقدّس الجواب، ويتم تلقين المتعلم كيف يحفظ لا كيف يسائل، كيف يُكرر لا كيف يُفكر، والنتيجة أن الطفل يُربّى على الطاعة لا على الإبداع، وعلى الخضوع لا على الجرأة العقلية، من هنا تبرز الحاجة لإصلاح تربوي عميق، يُؤسس منذ الصغر لعقل ناقد، حُر، ومفتوح على كل التساؤلات الممكنة.

ما يمكن استنتاجه ، إن مستقبل المجتمعات لا يُقاس فقط بناتجها الداخلي الخام أو بترتيبها في مؤشرات التنمية، بل أيضاً بقدرتها على إنتاج المعرفة، وتكريس ثقافة السؤال، وتشجيع حرية الفكر، فالإبداع ليس ترفاً فكرياً، بل هو ضرورة وجودية، تُعيد للإنسان وعيه بذاته، وطاقته على التغيير، وقدرته على صياغة واقع بديل، فلنُعلم أبناءنا أن يسألوا، أن يشكوا، أن يُحلّلوا، أن يحلموا، فالإبداع يبدأ من سؤال لا نهاية له.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى