اخبار منوعة

“تحقير المقررات القضائية” عندما يتحول الامتناع عن التنفيذ إلى تهديد مباشر لهيبة الدولة وسيادة القانون

ذا عمرو العرباوي/ مدير النشر
يُعد احترام المقررات القضائية وتنفيذها ركيزة مركزية في ترسيخ دولة الحق والقانون، وشرطاً أساسياً لضمان الأمن القانوني والقضائي للمواطنين، فعلى الرغم من وضوح النصوص الدستورية والقانونية، لا يزال القضاء المغربي يسجل حالات متعددة لظاهرة تحقير المقررات القضائية، سواء عبر الامتناع عن التنفيذ، أو الإخلال بمصداقية الأحكام، أو الاستهزاء بسلطة القضاء، هذه الظاهرة لا تُعد مجرد مخالفة قانونية فحسب، بل مساساً خطيراً بهيبة الدولة والمؤسسات.
أولاً: تحديد مفهوم تحقير المقرر القضائي بين اللغة والاصطلاح
1-في اللغة:
يحيل لفظ “التحقير” إلى الاستخفاف والإهانة والتقليل من الشأن ، ويُقال “حَقَّرَه” أي اعتبره تافهاً لا قيمة له.
أما “المقرر القضائي” فهو كل حكم أو قرار أو أمر صادر عن سلطة قضائية مختصة.
2-في الاصطلاح القانوني:
يقصد بتحقير المقرر القضائي كل سلوك مادي أو قول أو امتناع عمدي من شأنه تعطيل تنفيذ حكم قضائي، أو النيل من قيمته القانونية، أو المساس بقدسية القضاء وهيبته.
وقد أجمعت اجتهادات محكمة النقض المغربية على أن هذا الفعل يتحقق بمجرد ثبوت علم الفاعل بوجود الحكم وبواجب احترامه وتنفيذه، وتعمده الامتناع أو التلاعب أو الاستخفاف به.
ثانياً: الإطار الدستوري والقانوني
1-الدستور المغربي
-الفصل 126: “الأحكام النهائية الصادرة عن القضاء ملزمة للجميع.”
-الفصل 117: القاضي مسؤول عن حماية حقوق الأشخاص والجماعات.
2-القانون الجنائي:
جرَّم المشرع المغربي كل فعل من شأنه المساس بالقضاء أو تعطيل أحكامه، خاصة في:
-الفصول 263 إلى 266 المتعلقة بإهانة الهيئات القضائية.
-الاجتهاد القضائي وسّع مفهوم “الإهانة” ليشمل الامتناع عن التنفيذ أو التصرف الذي ينم عن ازدراء بالمقررات.
3-قانون المسطرة المدنية:
أكد على أن الأحكام التنفيذية واجبة النفاذ، وأن التعنت في تنفيذها يُعرّض مرتكبَه للمساءلة ،  ومن بين المواد التي تشير الى ذلك نذكر الفصول التالية:
الفصل 433-440-448و450-458-436إلى 439.
ثالثاً: محكمة النقض المغربية اجتهادات صارمة لحماية هيبة القضاء
أسست محكمة النقض مجموعة من المبادئ القضائية التي اعتُبرت مرجعاً في معالجة موضوع تحقير المقرر القضائي. فيما يلي أبرزها:
1-الامتناع عن التنفيذ صورة صريحة لتحقير القضاء:
قرار محكمة النقض عدد 438 بتاريخ 20/06/2017، ملف إداري عدد 3145/4/1/2016
أكدت المحكمة في هذا القرار أن:
“امتناع الإدارة عن تنفيذ حكم نهائي يشكل انحرافاً عن مبدأ المشروعية، وصورة من صور تحقير المقررات القضائية المخالفة للفصل 126 من الدستور.”
هذا الاجتهاد رسخ قاعدة مفادها أن الإدارة لا تملك حق التقدير في تنفيذ الأحكام، وأن أي تماطل يُعتبر مساساً بهيبة الدولة.
2-مسؤولية المنتخبين والموظفين في التنفيذ مسؤولية شخصية:
قرار محكمة النقض عدد 1329 بتاريخ 25/12/2018، ملف إداري 2561/4/1/2017
ورد فيه:
“المنتخب أو الموظف الذي يمتنع دون مبرر قانوني عن تنفيذ حكم قضائي نهائي يتحمل مسؤولية شخصية عن ذلك، ويُعد فعله تحقيراً لمقرر قضائي.”
المحكمة هنا اعتبرت أن المسؤول الإداري ليس مجرد وسيط، بل طرف يتحمل مسؤولية مباشرة في احترام الأحكام.
3-رفض التسويف والمماطلة بحجة الإجراءات الإدارية:
قرار محكمة النقض عدد 250 بتاريخ 03/03/2015
أكدت المحكمة:
“التذرع بالإجراءات الإدارية أو المالية لعدم التنفيذ لا يشكل سبباً مشروعاً، ويُعد فعلاً ينطوي على تحقير لمقررات القضاء.”
وهذا القرار يقطع الطريق أمام الإدارات التي تبرر الامتناع بعراقيل إدارية أو مالية.
4-التصريحات العلنية المسيئة للقضاء تدخل في نطاق التحقير:
قرار محكمة النقض عدد 987 بتاريخ 11/07/2019، ملف جنحي عدد 1124/6/2/2018
جاء فيه:
“التشكيك العلني والمتعمد في نزاهة الأحكام القضائية دون سند قانوني يدخل في نطاق تحقير مقرر قضائي ويشكل جنحة قائمة الذات.”
هنا وسّعت المحكمة المفهوم ليشمل الإساءة اللفظية والإعلامية.
رابعاً: الأبعاد السياسية والمؤسساتية لتحقير المقررات القضائية
تحقير المقرر القضائي لا يهدد فقط النظام القانوني، بل يمتد تأثيره إلى:
-ضرب الثقة العامة في القضاء
-تعطيل الاستثمار والتنمية
-إضعاف مبدأ فصل السلط
-المساس بصورة الدولة ومصداقيتها داخلياً وخارجياً
فالدولة التي لا تُحترم فيها الأحكام القضائية تتحول إلى دولة بلا ضمانات ولا مؤسسات فاعلة.
خامساً: نحو مقاربة وطنية لتجريم السلوك وتعزيز التنفيذ
لقد أجمع المختصون على أن مواجهة هذه الظاهرة تتطلب:
1-تشديد المسؤولية الشخصية للمنتخبين والموظفين الممتنعين عن التنفيذ.
2-تحيين النصوص الجنائية لتجريم صور التحقير الحديثة (التصريحات، التأخير المتعمد، الامتناع الإداري).
4-تعزيز دور النيابة العامة في تتبع حالات الامتناع.
4-رقمنة مساطر التنفيذ لضمان الشفافية والنجاعة.
مخرجات هذا المقال ،إن تحقير المقررات القضائية ليس مجرد تجاوز إداري أو سلوك فردي، بل تهديد صريح لمكانة القضاء وشرعية الدولة،وقد عملت محكمة النقض عبر قراراتها المتواترة، على ترسيخ مبدأ جوهري:
“لا دولة قانون بدون تنفيذ الأحكام القضائية، ولا عدالة بدون احترام القضاء.”
إن مواجهة هذه الظاهرة مسؤولية مشتركة بين الدولة والمجتمع، لضمان صون استقلال القضاء، وحماية الحقوق، وترسيخ الثقة في المؤسسات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى