نهاية زمن “العشق الممنوع” في برشيد: عامل الإقليم يعلن القطيعة مع الريع الإداري

برشيد – ذا عمرو العرباوي / مدير النشر
في سابقة تعكس تحوّلاً جوهرياً في تدبير الشأن العام المحلي، أطلق عامل إقليم برشيد مساراً جديداً نحو القطع مع مظاهر الريع الإداري التي لطالما أرخت بظلالها على تدبير المؤسسات والمصالح العمومية بالإقليم، بداية مع إعفاء رئيس القسم الاجتماعي ،والقادم أتي لا محالة ، هذه الخطوة، التي وصفت بالجريئة وغير المسبوقة، تعلن عن نهاية زمن “زمر العشق الممنوع”، وهي عبارة شعبية أصبحت ترمز لتحالفات المصالح الخفية، والامتيازات غير المستحقة، والولاءات التي لا تُبنى على الكفاءة أو الاستحقاق.
الريع الإداري: معضلة التنمية وصورة الدولة
الريع الإداري لا يُقصد به فقط الامتيازات المالية أو المناصب غير المستحقة، بل يشمل شبكة من العلاقات الزبونية والمحسوبية التي تُفرّغ المؤسسات من مضمونها، وتُحوّل الإدارة إلى آلة لتوزيع الغنائم عوض خدمة المواطنين، في برشيد، كما في مناطق أخرى من المغرب، ظل هذا الريع يُغذّي الفساد المؤسساتي، ويُكرّس مشهداً سياسياً وإدارياً راكداً، يُضعف ثقة المواطن في الدولة.
لكن يبدو أن الوضع تغيّر.
عامل الإقليم: الحزم في مواجهة الفوضى
منذ تعيينه، تبنّى عامل إقليم برشيد نهجاً صارماً في التعامل مع الاختلالات الإدارية، واضعاً نصب عينيه تفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، عن طريق فتح ملفات المشبوهة، وإعادة النظر في الصفقات العمومية، وإخضاع الجمعيات المدعومة من المال العام للمراقبة الفعلية، ومساءلة المنتخبين والموظفين عن قرارات لم تكن تخدم الصالح العام.
هذه التدابير ليست عشوائية، بل تندرج ضمن رؤية شمولية لإعادة الاعتبار للمرفق العمومي، وربط الولاء للدولة بالكفاءة والالتزام، لا بالعلاقات الشخصية أو القبلية أو السياسية.
نهاية “زمر العشق الممنوع”: عودة للشرعية
مصطلح “زمر العشق الممنوع” لم يأتِ من فراغ، فقد شاع استخدامه في أوساط الرأي العام للدلالة على تحالفات غير معلنة بين بعض المنتخبين، ورؤساء المصالح، وجمعيات موالية، هدفها تبادل المصالح وتفادي الرقابة المتبادلة، في ظل هذا السياق، كانت المشاريع تُفصّل على مقاس المقرّبين، والتراخيص تُمنح بانتقائية، والصفقات تُمرّر في غرف مغلقة.
لكن مع التوجه الجديد لعامل الإقليم، ينبغي تفكيك هذه الشبكات تدريجياً، لم يعد التواطؤ مغفوراً، ولم تعد الحصانة غير المكتوبة تحمي أحداً، ستتحوّل مدينة برشيد وباقي الدوائر التابعة للإقليم إلى ورش حقيقي لإرساء الشفافية والنزاهة، وسط دعم شعبي متزايد لهذا المسار، وتخوّف معلن من الأطراف التي اعتادت الاصطياد في الماء العكر.
رسالة أبعد من برشيد
ما يحدث في برشيد ليس مجرد إصلاح إداري موضعي، بل رسالة سياسية واضحة: الدولة المغربية تمضي في طريق الإصلاح الحقيقي، وليس فقط عبر الخطب والشعارات، فحين يتم تحرير الإدارة من قبضة الريع، تُفتح الأبواب أمام تنمية فعلية، وتُستعاد ثقة المواطنين في مؤسساتهم.
إن هذه التجربة يمكن أن تشكّل نموذجاً لباقي الأقاليم، خاصة في ظل الإرادة الملكية الراسخة لتجديد النموذج التنموي المغربي عبر إختيار مسؤول كفئ متمرس ويتمتع بمستوى عال من الوعي والمعرفة والخبرة والقدرة والشفافية ، حيث تشكل محاربة الفساد وتحقيق العدالة المجالية والاقتصادية أحد مرتكزاته.
مخرحات هذا المقال ، القطيعة مع الريع الإداري في برشيد لم تكن شعاراً فضفاضاً، بل خياراً سيادياً بدأ يتجسّد على أرض الواقع. ومع استمرار هذا التوجه، يمكن الحديث عن ميلاد إدارة جديدة، أكثر انفتاحاً وشفافية، تخدم المواطن ولا تُخدم به.