اخبار منوعة

عامل إقليم برشيد… نحو ترسيخ ثقافة “المسؤول القرب”: شهر واحد غيّر وجه الإدارة!

برشيد – ذا عمرو العرباوي / مدير النشر 
في زمنٍ يشهد فيه المواطن المغربي تراجعًا عامًا في الثقة بالمؤسسات، وفي خضم واقع محلي اتسم طيلة سنوات بالتدبير الإداري البارد والبُعد عن هموم السكان، تبرز تجربة عامل إقليم برشيد الجديد، جمال خلوق، كحالة استثنائية تستحق التوقف والتحليل.
فرغم أن الرجل لم يُعيَّن في منصبه إلا شهرا واحدا فقط، إلا أن تحوّلًا ملحوظًا بدأ يتشكل في علاقة الإدارة بالمواطنين، بشكل لم يكن معهودًا لدى المسؤولين الترابيين السابقين.
فهل نحن بصدد ثقافة جديدة تُعيد الاعتبار للإدارة الترابية كمحرك تنموي ومؤسسة قريبة من نبض الشارع؟ أم أن الأمر لا يعدو كونه حماسًا أوليًا سرعان ما سيتلاشى.
منطق “المسؤول القريب”… مظاهر ملموسة
منذ بداية مهامه، فاجأ العامل الجديد سكان الإقليم بنمط ميداني نشيط وغير مألوف:
-زيارات ميدانية شبه يومية الى المرافق العمومية
-تواصل مباشر مع المواطنين دون وساطة البيروقراطية المعتادة
-تتبع صارم للمشاريع المتعثرة
-استدعاء عاجل للمسؤولين المحليين لمحاسبتهم أو توجيههم
هذه الممارسات، رغم بساطتها الظاهرة، أعادت رسم صورة المسؤول الترابي في أذهان سكان برشيد، الذين كانوا إلى وقت قريب لا يتوقعون شيئًا يُذكر من رجال السلطة سوى التوقيع والتسيير المكتبي.
شهر واحد ومشهد إداري جديد يتشكّل
في بلد تتراكم فيه الخيبات الإدارية، من النادر أن يُحدث مسؤول جديد فرقًا في أسابيعه الأولى، لكن في برشيد، يبدو أن جمال خلوق لم يحتج وقتًا طويلًا ليفرض إيقاعًا جديدًا في التدبير المحلي.
وهنا يطرح السؤال المشروع:
ما الذي يجعل مسؤولًا ترابيًا يتحرك بهذه السرعة؟ وهل هذا مجرد اجتهاد شخصي، أم تجسيد لرؤية مؤسساتية جديدة؟
أربع فرضيات لفهم التحول
1-شخصية العامل وتجربته:
كل المؤشرات توحي بأن جمال خلوق ليس مسؤولًا إداريًا تقليديًا، حضوره الميداني يعكس شخصية ذات طموح إداري، ووعي بأهمية الفعل القاعدي، وقدرة على كسر الرتابة.
2-توجه مركزي جديد:
قد يكون تحركه السريع جزءًا من استراتيجية داخلية لوزارة الداخلية ترمي إلى إعادة الاعتبار للمسؤولين الترابيين، وربطهم أكثر بالساكنة، تنفيذًا للتوجيهات الملكية التي دعت مرارًا إلى إصلاح الإدارة الترابية والاقتراب من المواطن.
3-وعي بالسياق المحلي الهش:
إقليم برشيد لا يُخفي واقعه التنموي الضعيف، وتراكم سنوات من الإحباط لدى الساكنة، الأمر الذي يُحتم على كل وافد جديد أن يثبت جدارته بسرعة، وإلا سيلقى نفس مصير سابقيه من حيث غياب الأثر والثقة.
4-حسابات الصورة والشرعية الاجتماعية:
في زمن الإعلام الرقمي والمراقبة المجتمعية الدائمة، يدرك العامل أن بناء شرعيته المحلية يتطلب الانخراط المبكر والميداني وليس الاحتماء بالمكاتب المغلقة.
من المسؤول الإداري إلى الفاعل التنموي؟
إننا اليوم أمام نموذج لعامل إقليمي يحاول تجاوز دور الموظف الإداري ليُعيد تعريف دوره كـ”فاعل تنموي” حقيقي، هذا ما يظهر في تتبعه للمشاريع التنموية، تواصله مع الشباب والمجتمع المدني، حرصه على محاسبة المتقاعسين، وتحفيزه للإدارات المحلية على الخروج من منطق “الانتظار”.
هل يتحول هذا الحراك إلى ثقافة مؤسساتية؟
رغم كل الإشارات الإيجابية، لا يزال السؤال مفتوحًا:
هل هذا الزخم سيتحول إلى ثقافة مستدامة داخل الإدارة الترابية؟
أم أنه حالة استثنائية محكومة بخصوصية الشخصية، وستختفي بزوال الفاعل؟
الجواب مرتبط بعوامل عديدة، منها:
-مدى تفاعل باقي الفاعلين المحليين مع هذه الدينامية.
-قدرة العامل على الصمود أمام لوبيات المقاومة الإدارية.
-مدى دعم المركز لهذا التوجه الجديد.
مخرجات هذا المقال ، يمكن القول إن ما يحدث اليوم في برشيد ليس مجرد حركة إدارية عادية، بل إعادة تعريف صامتة لوظيفة “العامل” في المغرب، عامل لا ينتظر الشكاوى لتصله، بل يذهب إليها؛ لا يُخاطب السكان من على المنصات، بل من قلب الميدان؛ ولا يتحدث عن “القرب”، بل يُمارسه،  فهل تتحول تجربة جمال خلوق إلى مرجع وطني يُحتذى؟
أم أن الزمن الإداري، كعادته، سيعيد كل شيء إلى نقطة الصفر؟
الشارع يراقب، والزمن كشاف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى